سيّدي: “من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر اللهَ عزّ وجلّ”. أنت أعظم مخلوق يستحق الشكر والثناء! لولاك ربما لا زلنا نصنع أصنامنا بأيدينا ونأكلها، نئد بناتنا أحياء، نأكل مما تنهبه رماحنا وسيوفنا، ونرتكب آثامَ الجاهلية وجرائرَها المقيتة.
الشُكر، هو عرفان النعمةِ وإظهارها والثناء بها بالقلبِ وباللسانِ وبالجوارح. سيّدي: أما شكرنا لك بالقلب فنحن نحبك أكثر من أنفسنا وأموالنا وأولادنا، وباللسان نصلي عليك وندعو لك، وبالجوارح نقتدي بك ونقتفي آثارك. سيّدي: من أجل ذلك، إن القلم يعجز والمداد لا يكفي لتعداد أيادي الامتنان والشكر لك على ما عملته وتعبتَ فيه من أجلنا.
لعمري ولعمركم، عاش النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) 63 سنةً أو حولها، لم يكن فيها لحظة من راحة! كيف يستريح من ألقى الله عليه مسؤولية تغيير أمة -بل العالم أجمع- من مرتبة ما دون الصفر إلى قمم المراتب وأعلاها؟!
سيدنا: تكرم بقبول سلامنا وتحياتنا وصلواتِنا عليك، وأنت تهدي لنا البشريات والأخبار السارّة في الدنيا والآخرة لمن أحبك وذكر أفضالك. القارئ الكريم، “أنتم مع من أحببتم”. أحببتم محمدًّا النبيّ في الدنيا، إذن، طوبى لكم، ترونه في الآخرة وتسعدون بصحبته.
عن أنس بن مالك: {جاء رجلٌ من أهلِ البادية -وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبيّ (صلى الله عليه وآله)- فقال: يا رسولَ الله متى قيام الساعة؟ فحضرت الصلاة، فلما قضى صلاته قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: فما أعددتَ لها؟ قال: والله ما أعددتُ لها من كثيرِ عمل لا صلاة ولا صوم، إلا أني أحبّ اللهَ ورسوله، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): المرء مع من أحب. قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلامِ بشيءٍ أشدّ من فرحهم بهذا}.
ولكي تفرحوا أكثر، إليكم بشارةً ثانية: {جاء رجلٌ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله! إنك لأحبّ إليّ من نفسي، وإنك لأحبّ إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنّة خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) شيئًا حتى نزل جبريل بهذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ…)}.
خلاصة المرام: اللهم لا تجعلنا أقلّ مرتبة من البدوي! موازين أعمالنا خفيفة، لم نعد ما يستحق الذكر للقاك! لكننا كما الأعرابي، نحبّ محمدًا (صلى الله عليه وآله)، وكل الرجاء -يا رب- أن يصح فينا قوله: {المرء مع من أحب}.