لا توجد صفات قبيحة أصيلة في بني البشر، فالله تعالى قد خلقنا في أحسن تقويم وجعلنا أفضل مخلوقاته مظهرًا وجوهرًا.. لم يفرق بين أحد منا، أو يميزه عن غيره، إلا الذين اصطفاهم من أنبياء وأولياء، وأولئك لهم شأن آخر.
الصفات القبيحة مكتسبة، تتولد وتتعاظم بالممارسات الخاطئة والاعتياد عليها، حتى تصبح معضلة لصيقة بمن ابتلي بها، ويصعب التخلص منها حيث تحتاج إلى جهد وتوجه، ثم تفعيل الفضائل الذاتية الكامنة في جوهر الإنسان. وأما الصفات الحسنة فهي أصيلة بذاتها وتزداد أصالةً وجمالًا كلما اعتادها الإنسان وأظهرها في عبادته وممارساته قولًا وفعلًا وخلاف ذلك، لتكون هي حقيقته وهو حقيقتها وحقيقها.
ومع الأسف فإننا نغفل هذا الجانب، في وقت يمعن فيه الشيطان على غوايتنا، فتغلبنا شقوتنا لتكتسب فئة من البشر تلك الصفات المنبوذة لأسباب يمكن أن يتجاوزوها إن أرادوا، وعلى الرغم من أن هذه الفئة يتفاوت حجمها بنسب مختلفة؛ تزيد وتقل، وهي إلى القلة أقرب، ولكنها مؤثرة سلبًا في العموم والخصوص شئنا أم أبينا.
هي أمراض ابتليت بها مجتمعاتنا، وصارت تضرب في عضد لحمتها وتماسكها وسكينتها، حتى فرقت الأحباب والأقارب والأصحاب وشرخت الثقة البينية، وساد التوجس والحيطة والحذر، وهو أمر لا يصب في صالح أي مجتمع ننشد أن يكون مجتمعًا فاضلًا ومتميزًا.
إن أول من يعاني من هذه الشريحة من الناس هم تلك الثلل المؤمنة المعطاءة -على تنوعها- والتي نذرت أنفسها لخدمة مجتمعاتها دون غاية سوى التماس رضا الرب تعالى، والتيسير على الناس في مختلف مناحي حياتهم، ومنهم الطبقة الدينية وكذلك المشتغلون في الخدمة الاجتماعية أو الرياضية أو التربوية وغيرها، حتى الموظفون الناجحون في مختلف المجالات، وكذلك رجال الأعمال والذين لهم بصمات خدمية بشكل أو بآخر.
ناهيك عن أولئك الذين بطبيعتهم اكتسبوا المكانة والوجاهة بين أفراد مجتمعاتهم بسبب فضائلهم الذاتية التي تظهر للناس بأصدق وأنصع ما يكون عليه المرء، وعلى الرغم من ذلك لا يسلمون من نهش لحومهم ليل نهار.
وكم وكم ابتلي الكثير من هؤلاءِ الخيرين، فاجتنبوا الناس أو تركوا مهماتهم لغيرهم، وفضلوا شراء راحة البال على أن يعانوا الأمرين ويتضرروا ويتضرر من حولهم، والسبب هو أولئك الذين لم يكتفوا بمحاولة إسقاط غيرهم غيرةً وحقدًا وحسدًا، بل أمعنوا في الإساءة قولًا وفعلًا، ويا له من فعل حين يصل لدرجة الشعوذة والعياذ بالله.
ولا ندري حقيقة ما الذي يدفع الإنسان إلى هذا المنحدر وهو يعلم أن وراءه حسابًا وكتابًا وعقابًا، وربما يواجه ذلك حتى في حياته قبل مماته، أهو جهل يا ترى أم مرض؟ أم هو اعتقاده بأنه الأفضل والأجدر من غيره؟ وهو في الحقيقة بطباعه وقلة حيلته لا يصمد أمام الفاعلين بنتاجهم المشرق وإخلاصهم الفريد.
متى يعتبر هؤلاء ويراجعون أنفسهم ويستقيمون ليكونوا جزءًا فاعلًا من المجتمعات، ويستحقوا الإشارة لهم والإشادة بهم؟ متى يعطون صاحب الحق حقه من التقدير ويعترفون بتميزه عليهم ويحاولون أن يكونوا مثله، ويستفزون الفضيلة الكامنة في وجدانهم، وهم للوصول لذلك ليسوا عديمي الحيلة متى ما أرادوا، فما هي سوى الإرادة حتى يفيقوا من الغفلة وينتبهوا ويعترفوا أنهم على خطأ لتنفتح أمامهم أبواب السماء حال الدعاء، والله تعالى أكرم وأجل من أن يرد عبدًا أناب إليه وتوسل وتاب، ولن يعييه أن يكرمه على ذلك ويجعله أفضل وأنفع من غيره لنفسه وأهله ومجتمعه.