تتوسط الحائط الجنوبي لمجلس بيتنا صورة جماعية توثق علاقة استمرت ثلاثين عامًا، يقف سعيد بيني وبين علي، والسعادة تحيط بالجميع.
نسكن أنا وعلي في حي الدخل المحدود، وهو من الأحياء الجديدة في جزيرة تاروت، كنّا نذهب صباحًا للمدرسة نفسها برفقة بعض، أما سعيد فهو الجار الجديد الذي يسكن البيت الثالث في طريقنا للمدرسة، وقد انتقل للحي قادمًا من قرية (بني سار) التابعة لمنطقة (الباحة) بسبب عمل والده في قطاع الدفاع المدني.
في أول أيام الدراسة لـ(سعيد) وقف متحيرًا لا يعلم أين يذهب حتى وجد أمامه عليًا وقد خرج لإحضار (الطباشير).
استوقفه وسأله: أين فصل الثاني ب؟
فأجابه علي: اتبعني.
لأنه سأل عن نفس الفصل الذي ندرس فيه، أدخله الفصل وأجلسه بجانبنا.
من هنا بدأت بذرة علاقتنا ونمتْ شيئًا فشيئًا، فطريقنا إلى المدرسة يجمعنا صباحًا، وملعب الكرة يحتضن لعبنا عصرًا، وقد نذاكر أو نشاهد أفلام الرسوم المتحركة في بيت أحدنا.
كنا نضحك أنا وعلي على لهجة سعيد الجنوبية، كأن يقول: (أبي أبى) يقصد أن أباه رفض، أو (وراك تكايدني) أي تعاندني، وكان يعلق على حديثنا (هبلي) مترجم علشان أفهم (هرجكم)، (هويه) تتكلمون كذا؟
كان ضحكنا أكثر من جدّنا، ولم نكتشف الاختلافات في غير اللهجة إلى أن دخلنا المرحلة المتوسطة وصار سعيد يذهب للصلاة في مسجد المدرسة.
تجمعنا أشياء كثيرة، كلون البشرة الأسمر، والطول المتوسط، والهوايات، وحب الناس، والمرح، و”عيش المحموص”، وكرهنا مادة النحو، وتفرقنا الكرة فعلي يلعب (وسط) ويشجع النصر، وانا ألعب (حارس مرمى) وأشجع الاتفاق، وسعيد يلعب كمهاجم ومغرم بالاتحاد.
كنا عصابة واحدة في المدرسة وخارجها، نقتسم المال والخبز والعصير، كان علي الأقوى فهو الذي يزاحم الطلاب في (المقصف)، وسعيد يحضر الكرة معه، وأنا أساعدهما في المذاكرة لأن أختي تذاكر معي المواد.
شكّل تجمعنا علاقة بين الآباء والأمهات، فصار أبي أبًا لهما، وأمي كذلك، وهما أيضًا، والأجمل صار خالي (عبد الله) خالهما.
قبل أسبوع اتصل بي علي وأنا في العمل ليخبرني أن سعيدًا يدعونا لزواجه، ويشجعني أن أحضر معه، لم أخبره أن سعيدًا اتصل بي أيضًا، لكني أجبته: إن لم نحضر الزواج فنحن نتخلى عن أخينا.
الليلة نقف في قاعة الأفراح بجانب سعيد؛ لنوثق هذه العلاقة ونحن نستمع له يعرفنا لأهله وجماعته من المهنئين قائلًا: إخواني علي ومهدي من القطيف.