ولو تصفحت أَوراقي لتقرأها… رأَيت تَأمُّلاتي جُل أوراقي
1. لَا أحدَ يَكاد يُنكر بتفكّرٍ وتدبّرٍ، حَقيقة صِراع العقل، ومَغبّة نِزاع النفس البشريّة، في أحضان شَرَك عُمق تَلافِيف دِماغ شخصٍ واحدٍ؛ وربّما يَستر شخص مَا حَقيقة صِراعِهما “الدامي” لَحظةً وخِفيةً، في سِياق مُعترك سِجال حَامٍ مُحتدمٍ؛ ليَفسَح باب المجالَ السانِح؛ لمُنازلة انتصار إغرَاء وإِغوَاء رَتل شَهواته الشخصيّة؛ ومُغالَبة تَسوِيل مُستدرَج لصَف نزعاته الانحرافية؛ لإشباع أتفَه مُرديات الهوى؛ واتّباع أرذَل مَهالك شهوات النفس الدنيئة، الأَمّارة بالسّوء… ومِنذُ بَدء الخليقة الأُولى رَسم لنا- رَبُّ العزّة والجلَال- في مَتن آي الذِكر الحكيم، لحظة صِراع حَاسمة بانتصار حِكمة العقل الرصِين، وانهزام مَهادنة هَوى النفس الأَتِيم، في مَغبّة حَبكة قِصّة الجّريمة المُنكَرة التي ارتكبها قَابيل في حَق أخيه هَابيل، وهو في حالةِ هَياجٍ مَن فَرطِ الغَضبِ، والغَيظِ والحَسدِ… وكانت أول جريمة قتل بَشريّة على وسجه الأرض… ( فّطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسَرِينَ).
2. ولَعَلّ فَورَة عَضّة الغضب النادِمة الناتِجة، عَقب صَحوة إغراء سَقطة النفس الدنيئة؛ وتَزيين زَيف كَبوتها المَهينة، تُمثّلان بوضُوحٍ مَحضٍ؛ وتُظهِران سُطوعٍ صِرفٍ، مثل نقطة دمٍ طافية مُلوّثةٍ، في كأسٍ مِن لَبابِ اللّبن المُصفّى، تَعافُ احتساؤه النفس اللّوامَة المُعاتِبة، المُسيقِظة توًا، مِن عَميق هَجعة سُباتها الوردِي- الحالِم المُتفائِل- بنشوة انقشاع غِطاء عَتمة الغِشاوة المُتنكّرة بلَوثة صُدْأَتِها المُموّهِة، وهُنيهَة حُلول لَمعان ضِياء مِصباح شفافيّتِها الجليّة بسُطوعه الناصِع… !
3. إِنَّه مِن مُوجِب مِنهاج الحِكمة؛ ومُسوّغِ نَضج الرشْد؛ ومُستودعِ سَدادِ الرأي؛ أَنْ نتوجّه بآذانٍ مُتنبّهةٍ صَاغيةٍ؛ ونتفكّر بقلوبٍ مُتفكّرةٍ وَاعيةٍ؛ لمُردِيات ومُغرِيات عضّةِ حِدّة الغضب المُتكرّرَة المُنكرَة- الآنفة الذّكر- ونَسترجِع، رَسم ووَشم بإنصاف مُتعقّلٍ مُتفهّمٍ، مُقتضَيات نَقيضتَها الحكيمة الرصِينة: صَحوة ونَخوة التنبُّه التصحيحيتين، لِمَغبّةِ سَقط سُلوكٍ مَشينٍ؛ وغَفلة انغماسِ زلّةِ تَصرّفٍ مَهينٍ؛ لتُكسِبنا لاحِقًا، مَهابة سَيرّ الانضباط المَستقيم؛ وتُلبِسنا سَويّة نَهج السلوك القَويم؛ وتُكسَينا نِتاج رُشد الرؤية الحَكيم؛ وتَمنحنا، سَماحة ومَهارة، استشراف رِفد الخير العَميم…!
4. ويَجذُر بنا ألَّا ننسى بغفلةٍ دَاهمةٍ؛ وبَلاهة مُباغتة؛ صَرعة الرَكل الذاتي بحَماقةٍ سَاحِبةٍ، لجُلّ مُفردات سَلبيات عَثرة فَورة الغضب- الهائجة المائجة- المُزدوَجة التنائج؛ والشاخِصة بخواتم آثارها المُعشِّشَة النتِنة في دَواخل وبَواطن صِحّتنا النفسية؛ والماثلة في سَرائر سَلامِنا الداخلي، أَمنًا وسَعادةً، مَع سُكونِ أنفسِنا، وصفاءِ أمزجة الأخرين، مِن حَولنا… ورُبّما تَطال بسَخافةٍ وقَباحةٍ، رَيع مَحصول مَسخ “تشويهاتها” الاجتماعية المُكدّرة، شَريحةً وَاسِعةً مِن رَائق أمزجةِ ومَشارِب أفرادِ المُجتمع، جُملَةً وتَفصِيلًا!
5. وقد تُرافِق وتُواكِب أصداء تَبعات نَوبَات الغضب الهائجَة، وصَرعات لَواحِق سقط أشكالها “الفجّة” سَيل مَنبوذ مَطرود جَارف، مِن أرذَل صَيد مَناحي، وفَرط مَسالك عَبث زيغ السلوكيات الاجتماعية مِثل: استحقار كَرامة الناس؛ والإسفاف المُتمادِي المُسرِف في الغِيبة؛ والتطاوُل الأرعَن في إشاعة الوِشَاية، في صُفوف المُجتمع الواحد… ومِن فَيض مَرامي الحكمة، أَنْ نتّعِظ مِن هَنات رَديئ السلوك؛ ونَترفّع، بتروٍ وتفكرٍ، عَن سائر المُردِيات، وجَاري المَنغّصَات الشائبة المُعكّرة لسلامة المجتمع الواحد، والمُلوّثة لصفاءِ سَويَة سَلامه الداخلي… وبالله التوفيق!