كان عنوان الخاطرة يوم أمس، 12 من شهر أيلول/سبتمبر 2022م، “قبس من ذكريات المشي في الأربعين”. في المساء قلت: الوقت متأخر جدًّا وغير مكتوب لي إعادة تجربة المشي في هذه السنة. ثم حضر في مخيلتي أن لو ينبت لي جناحان، حينئذ أطير! لا تذاكر طيران، لا أوراق هوية، لا زحمة ولا حقيبة سفر! لكن يا لك من متمنٍ لن يكون له إلا التمنّي.
أنا أعلم أن هذه أمنية مستحيلة، لن ينمو لي جناح، فليس لي إلا تمنيها وأن أحسد الطيور! للأسف لم ولن تتحقق هذه الأمنية وحصل شيء آخر “المكتوب على الجبين تراه العين”، ولكي تتضح الفكرة أحكي لكم طرفتين:
الطرفة الأولى: عاش في جزيرة تاروت رجلٌ صالح، مؤمن وعفيف. أنا رأيته في صغري وجلست في مجلسه، لكن لن أذكر اسمه وهو في نعيم جناته. رأى هذا الرجل العفيف في منامه شخصًا يقول له: يا فلان، اذهب للبحر وخذ رزقك! صدِّق رؤيا، كذِّب رؤيا، توجه الرجل إلى البحر راجيًا الصيد الوفير. قبل أن يصطاد الرجل سمكة واحدة وطأت رجله على “خالوف”، نوع من الأصداف البحرية التي لها نتوءات حادة كحدّ الفأس تؤذي من يدوس عليها. عاد الرجل إلى بيته طريح الفراش ولم يكتب له صيد السمك!
الطرفة الثانية: هي حكايتي مساء يوم أمس بعدما تمنيت أن ينبتَ لي جناحان! إذ بينما أنا منتشٍ في هذا الخيال، راودني الشك -كالعادة حين تضعف الذاكرة عند كبار السن- هل أغلقت صنبور الماء أم لا؟ قلت: أقطعُ الشك باليقين لكن وجدت صنبور الماء مقفل، وفي طريق العودة، تعثرتُ عند طلوع الدرج بقدمي! أنتم كبار السنّ يحصل ذلك لكم كثيرًا! أدميت أصابعي وتألمت وفي الصباح لم يطلع لي جناح!
نرغب ونتمنى أمورًا كثيرة والله يعلم أين يكون الصلاح في تلك الأمور! ومن جميل ما قاله الإمام عليّ (ع): “ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدقٍ من نياتهم وولهٍ من قلوبهم، لردّ عليهم كلَّ شارد، وأصلحَ لهم كل فاسد”.
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، منذ سنوات الطفولة تعرفنا على حوارٍ جميل وحزين بين رجلين، عطية العوفي وجابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنهما) وكانا في زيارة لقبر الحسين بن علي بن أبي طالب (ع). هذه المحاورة رقيقة الكلام وحزينة، ولكي لا تطول هذه الخاطرة كثيرًا أنصح القارئَ الكريم أن يطلع عليها لما فيها من الفائدة الجمّة.