لكنَّها لم ترحل.. «8»

أرسلت نجلاء رسالة عبر هاتفها النّقال إلى ياسمين، لتُخبرها برغبتهنّ المُلحة في ترك الشّقة، والانتقال إلى أخرى، قرأت ياسمين الرّسالة فور وصولها، حيث كان هاتفها النّقال بين يديها، تغيّرت ملامح وجهها، وعلامات التّعجب الأنثوي بادية عليها، لتُبحر في القلق، وتُقلب الأسئلة في ذاتها، لتجد لها جوابًا، يشفي ذعر الموقف، وجاذبيته في الوقت، بعض الأمور تحدث في وقت لا تُنصف الإنسان فيه، عامل المُفاجأة، يُداهمنا في هذه الحياة، والمُؤلم أكثر ألا تمتلك تقنية مُعالجة المواقف السّلبية، لتجعلها وقودًا، يحثك في كلّ صباح، لتبدأ من جديد، والأمل يحذوك.. .

وسألتها ياسمين عن السّبب:
أجابتها أريج بأنَّ هذا العام مرَّ على قلبها ثقيلًا، مما أتعب نفسيتها، ليس فقط هي، أيضًا سارة وفاتن.. .

تابعت أريج حديثها في تسجيل صوتي: لا تتضايقي من كلامي ياسمين، فأنت وحنان رجعيتان، أفكاركما بالية، الغناء ممنوع في الشّقة، لا نستطيع الاستمتاع به إلا في أوقات تكونين أنت نائمة، وهي في غرفتها، هذا شيء بسيط، وهناك أمور أخرى، لا أودُّ ذكرها..، يبدو أن اختلاف الثّقافة، والبيئة الحاضنة، تجعلنا لا نستطيع الاستمرار، تقبلي اعتذاري، لا أحبَّ المُجاملة، أحبَّ الصّراحة.. .

لم ترد ياسمين، أرسلت المُحادثة إلى حنان، وذيلتها بعلامة الاستفهام، دائمًا تُسعفنا علامات التّرقيم، لنختصر انفعالاتنا، كي لا نُرهق أنفسنا بالكتابة، أو الحديث الطّويل، الرّدود المُختصرة، واستخدام الكلمات، التي تُولد في رحمها الكثير من المعاني، يُعد الأسلوب الأمثل، ومن طبيعة ياسمين أنَّها، تُتقن هذا الأسلوب، كونها من عُشاق المعاني الضّمنية، الأنثى..، التي تتزلق على بياض البلاغة، وتُراقصه بأصابعها، لتشعر بجسدها كلّه، في انسياب مشاعرها.. .

لم يبق على موعد الزّواج سوى أسبوع، انتهت ياسمين من ترتيب كلّ شيء، الحجز، الشّقة، الدّعوات، لم تترك شيئًا، يعتب عليها، حتى فستان الزّفاف، أصبح بين يديها، الوقت يمرُّ سريعًا، وبطيئًا في ذات اللّحظة، هكذا تشعر الأنثى، إذا اقترب موعد زفافها، الانتقال من وضع المُفرد، إلى وضع المُثنى، إلى بلوغ الجمع.. .

دخلت ياسمين الصّالة، عن يمينها حنان، تُعانق أصابعها، وعلى اليسار، عبير تُعانق أصابعها، الخجل، يؤطر ملامحها، تمشي الهُوينى، على ألحان الحاضرات، احتضنتها أمها، التي تنتظرها على المكان المُخصص لها، وتجلسها على كرسي العروس، تلفها الزّهور المُختلفة الألوان، ورائحة البخور، تُصافح الحاضرات، وتُنعش الأجواء فرحًا.. .

رافقت حنان وعبير ياسمين إلى شقتها، سلّمت كلّ واحدة هدية، وعانقتها، مُتمنية لها حياة سعيدة.. .

تنفست حنان السّعادة، وتربت على يد عبير، التي تجلس بجانبها في السّيارة، وتبتسم لها، الصّمت، يحكي ما في القلب، عبير، تُبادلها الابتسامة، أغمضت حنان عينيها، كان اليوم مُتعبًا، تقول حنان إلى عبير

نعم، اليوم كان مُتعبًا، ولكنَّ التَّعب، يستبطن الرّاحة في أعماقه، جسديًا، أرني أسيرة الإرهاق، وأراكِ الإرهاق ذاته، يُتعبكِ، كظلي.. .

استيقظت ياسمين صباحًا، هذا الصّباح مُختلفًا في طلّته، وضعت أصابعها على خديه، لتُوقظه من النّوم، فتح عينيه المُرهقتان.. .

صباح الخير، يا أجمل ياسمين في الدُنيا.. . يُداعبها إبراهيم واضعًا أصابعه على خدها، يعتصره بلطف

هربت من بين يديه، لتُعد الإفطار، وتسكب القهوة، التي يشتهي رائحتها، وهي تبتسم.. .



error: المحتوي محمي