الآنَ ونحن -تقريبًا- في نهاياتِ فصل الصيف تشتد الرطوبة وترتفع درجة الحرارة، ثم بعد ذلك يطفئ الطقسُ البديعُ الحرارة ويخمد الرطوبة المرتفعة! أزمات الحياة، يشتد فصلٌ ثم ينفرج ويأتي بعده فصلٌ أكثر راحة؛ فجرٌ بعد ليل، ربحٌ بعد خسارة ، راحة بعد تعب، ابتسامة بعد دمعة، وهكذا كل نقيضٍ بعده نقيض.
كانت الوالدة -رحمها الله وكلَّ الأمهات- تضرب مثلًا عندما تضيق الأمور تحسبًا لانفراجها، وكثيرًا ما كانت الأمور تضيق في الأيام الخوالي: اشتدي أزمة تنفرجي! هذا المثل شطر من بيتٍ في قصيدة مشهورة لابن النحويّ، مطلعها:
اشتدي أزمـة تنفرجـي
قـــد آذن ليـلكِ بالبلـجِ
وظلام الليلِ لـــه سرجٌ
حتَّى يغشاه أبو السرجِ
عنه ﷺ: {لن يغلبَ عسرٌ يسرين}، في إشارةٍ لقولهِ تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. وعدٌ إلهي يبعث في القلبَ الأمل ويزيل اليأسَ عن روح الإنسان. مريض تناولته العللُ يشفى، فقيرٌ يستغني، تائهٌ في البحار تهب الرياحُ وتصل سفينته الميناء!
على أنه على الإنسانِ أكثر من أن ينتحبَ ويبكي وينتظر الأملَ والفرج! ازرع بذرةَ الأمل وقوِّها بالعمل! بين ليلٍ وصبحٍ تثمر البذرة. في هذه الأيام يجدد الزرّاع آمالهم ويمنون أنفسهم الربحَ الوفير بالجدّ والعمل. ما رأيكم لو رمى المزارعون حبوبهم في الحقول والبساتين، ورفعوا أكفهم إلى السماءِ دون سقي البذور والحبوب، فهل ترون أنها تنمو وتخرج نباتها؟ هم -الزرّاع- يعلمون جيدًا أن إنبات البذور لا يكون إلا بالسقي والعناية والتسميد!
هذه جملٌ رائعة قالها الإمام علي (عليه السلام) للمتعبين من انتظار الفرج: “ما أقربَ الراحة من التعب! ما أقربَ السعود من النحوس! لكل همٍّ فرج! لكلّ ضيقٍ مخرج! توقع الفرج إحدى الراحتين”.
في هذه الخاطرة أجدد الدعوةَ بإكبار الأمل في اللهِ سبحانه الذي لولا تدخله في الأزمات -صغيرها وكبيرها- لكنا من الهالكين. عندما تعجز قوانا البشرية فليس إلا سلاح الدعاء: عن رسول الله ﷺ: {ألا أدلكم على سلاحٍ ينجيكم من أعدائكم، ويدر أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تدعون ربكم بالليلِ والنهار، فإن سلاحَ المؤمن الدعاء}.
في النهاية، حافظ على ذلك الأمل فهو يستحق أن تحافظ عليه وتعمل من أجله. في لمحةٍ واحدة يغير اللهُ من حالٍ إلى حال، وإذا أناخت الشدائدُ بأحمالها، فإن للبيتِ ربًّا يحميه:
ما بين غَمضةِ عَينٍ وانتباهتها
يغيّر اللهُ من حــالٍ إلى حـــالِ