مشهد يراه كلّ أبٍ وجدّ! أبناء الأولاد وبناتهم يتعلقون بالأب والجدّ إلى درجةِ الجنون. يبكونَ وينتحبونَ ويغضبون، كل ذلك من أجل أن يأخذهم الجدّ أو الأب في السيارة؛ البقالة القريبة، الملاعب! لا يهم، فقط صحبة الأب أو الجدّ!
هذا المشهد نسخة من سلوك الأبناء والبنات أنفسهم عندما كانوا صغارًا، يموتون من أجل أن يخرجوا مع الأب أو يلاعبهم أو يحملهم، أي شيء وكلّ شيء ممتع ما دام الأب هو الفاعل! أتذكر جيدًا كيف كنت أنتظر والدي على قارعة الطريق وأبكي لعله يأخذني معه في رحلة صيد السمك في البحر، هو يرفض لأنني لا أتحمل الرحلة الشاقة، ومع ذلك أعود في اليوم الذي بعده!
ثم – يا للأسف – عندما يكبرون، آخر الهمّ الأب! تتصحر المشاعر وتحترق، إلا ما ندر! يبدو أن حظّ الأب من المشاعر يتناسَب عكسيًّا مع مشقته ومع كمية مشاعره نحو الأولاد والبنات والأحفاد.
التقينا – مجموعة من “المتقاعدين” – وكانت الشكوى مشتركة، أيام تمر عليهم دون رسالة أو مكالمة، بينما الأبناء حتمًا يتواصلون مع أصدقائهم وأزواجهم، ورؤساء وزملاء العمل! إذا بدت لهم حاجة تواصلوا مع الأب وإلا فلا!
إن صحّ ذلك ألا ترونه منقصةً وعيبًا؟! أهكذا تفعل بنا السنوات؟ أهكذا تختفي الذكريات وتنطفئ المحبة؟ أهكذا لا نحفظ للأبِ إلا اسمه؟!
هل فعلًا هم قلة من يرسلون رسالةً مجانية، أو يتصلون بذلك الأب الذي كانوا يجرون خلفه أيام طفولته؟ ليست الأم وحدها من لها البرّ والحنان! للأب أيضًا {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. حاجة الأب إلى المحبة والاحترام مثل حاجة الأمّ، لا تغرنكم صلابة الرجال ومتانة دروعهم! تحت الدروع قلوب أرق من قشرة البصل!
لمن عنده أب: تذكر تلك المشاعر الطفولية! تعود أن ترسل رسالة أو تتصل. لا تطلب شيئًا سوى أن تقول له: شكرًا على اللحظات والذكريات الرائعة. إذا فعلتَ سوف يرسل لك أبناؤك وأحفادُك رسائل ودّ عندما تكبر، وتكون في أكبر حاجة لمن يشكركَ أن كنت أبًا جيدًا، ويفخرون بك “بروا آباءكم يبركم أبناؤكم”.
عندما نكون صغارًا؛ الأب أذكى الناس، يعرف كل شيء! أرحم الناس! هو البطل والقدوة، الحامي والمدافع، نقلده في كل شيء، مشيته، لباسه، عمله! وبعد أن نكبر تذهب الأحاسيس الجميلة البريئة أدراجَ الرياح!
سألني بعض الأصدقاء الخلص والأقارب: ماذا خصك في هذا الشأن؟ لا شيء سوى رغبتي ألا يفوت الأجر والثواب والتوفيق على الشبان والشابات في أمرٍ بسيط جدًّا، رسالة مجانية أو مكالمة لا تكلف فلسًا! ثم الخوف من فوات خبرة وصداقة الأب المدفوعة الثمن.