كثيرًا ما نسمع عبارة “خل أخلاقك رياضية” أو “خل روحك رياضية” في مواضيع لا تمت للرياضة بأي صلة أو خارج نطاق المفهوم الرياضي. غالبًا ما تستخدم في حالات ومواقف يحتد فيها الجدال والنقاش والاختلاف في الرأي بين طرف وآخر فيقال “خل أخلاقك رياضية” فهي دعوة مهذبة لاحترام رأي الآخرين ووجهات نظرهم. وفي بعض المواقف تستخدم لإقناع الأشخاص بالعدول عن رأيهم أو مواقفهم التي لا تحظى بتأييد الأغلبية فيقال “ليش العناد خل أخلاقك رياضية”. وفي مواقف أخرى تستخدم لتلطيف الأجواء المتعكرة والتي يطفو عليها طابع الزعل والحزن فيقال “اترك عنك الزعل وخل أخلاقك رياضية”.
كما تستخدم للدلالة على جمال ورقي محتوى الشخص فيقال “ما شاء الله عليك روحك رياضية” جميلة وراقية. عبارة تحمل في طياتها الكثير من الطاقة الإيجابية والجميل في هذه العبارة هو الربط بين الأخلاق والرياضة، والجمال يكمن في أنها تجمع بين ثلاث صفات محببة، فيقال الرياضة فن وذوق وأخلاق. نعلم أن الميادين الرياضية غالبًا ما تكون أجواؤها وساحاتها ساخنة وملتهبة ومشحونة سواء بين طرفي المنافسة أي اللاعبين أنفسهم أو الأنصار ولا وقت للمجاملات أو التحلي بالمثالية. هذا طبيعي جدًا في المنافسات فكل طرف يتعصب لفريقه المفضل ويتمنى له الفوز وجميل جدًا أن يتفاعل المشجعون مع فريقهم ويساندوه للوصول إلى مبتغاه وتحقيق أهدافه ولكن غير الطبيعي وغير المقبول هو التعبير بسلوك غير حضاري أو الخروج عن المألوف باستخدام الفاظ بذيئة ودخيلة على النطاق الأخلاقي لمجتمعاتنا. فالأخلاق الرياضية يجب أن تكون ركيزة ثابتة وحاضرة مهما آلت إليه نتائج المنافسات على أرض الميدان. تذكر دائمًا أن قيمتك تكمن في أخلاقك وطريقة تعاملك مع الآخرين.
الفرح عند الفوز هو قرار شخصي وكذلك الزعل والغضب عند الهزيمة فلكل شخصٍ منّا مطلق الحرية للتعبير عن مشاعره بالطرق السليمة والمشروعة بعيدًا عن الإساءة أو أذية الآخرين سواء في مدرجات الملاعب أو في ساحات التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بـ”السوشيال ميديا”. فوز فريقك بمباراة أو حتى فوزه بلقب طال انتظاره لا يمنحك الحق بإساءة السلوك واستفزاز الآخرين وكذلك لا يخولك للقيام بممارسات غير مسؤولة كالتفحيط (الهجولة) – على سبيل المثال – والاستعراض في الشوارع حيث إن المبالغة بالاحتفال في بعض الأحيان قد تؤدي -لا قدر الله- إلى نتائج وخيمة لا يحمد عقباها كالخسائر في الأرواح والممتلكات. أجعل من مناسبة فوز أو تتويج فريقك ببطولة ذكرى جميلة تبعث في النفس البهجة والسرور كلما ذكرت.
وفي الطرف المقابل خسارة فريقك المفضل لا تمنحك الحق بالتهكم على الآخرين والإساءة لهم فما لا ترضاه لنفسك من إساءة وضرر لا تؤذ به غيرك. عدم تقبلك أو سخطك لخسارة فريقك ليس عذرًا أو مبررًا لقدف الآخرين بالتهم والتشكيك في نزاهتهم والتطاول على الآخرين في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، أو القيام بأعمال الشغب أو إحداث أضرار وإتلاف وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة فليس من شأن هذه الأعمال الهمجية والممارسات غير المقبولة أن تغير (الحال) نتيجة المباراة ولكن في المقابل قد تعرضك للمساءلة وقد تتفاقم الأمور إلى أبعد من ذلك -لا قدر الله. لا شك أن إظهار الروح الرياضية وتبادل التهاني مع الفريق الفائز ومواساة الفريق الخاسر من شأنه التخفيف من حدة التوتر بين اللاعبين وجماهير كلا الفريقين. فمن الجميل جدًا أن يتحلى كلا الطرفين بالروح الرياضية والتي عرف عنها التسامح واحترام وتقدير الآخرين على غرار اللاعبين الكبار في مختلف الملاعب العالمية يتركون خلافاتهم في الملعب ويحافظون على علاقاتهم الجيدة خارجه.
يحظى الرياضيون بمكانة خاصة عند المعجبين والمتابعين (أو كما يحلو لهم تسميتهم فانزات؛ تعريب للمصطلح الإنجليزي) وينظرون لهم كنماذج يحتذى بها والذي قد يصل في بعض الأحيان للتقليد في طريقة اللبس أو طريقة الكلام أو قصة الشعر أو حتى استخدام نفس المفردات لذلك من الضروري جدًا أن يتحلى ويلتزم الرياضيون بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن الشبهات والممارسات والسلوكيات غير الأخلاقية والمشينة والدخيلة على مجتمعاتنا فهذا من شأنه أن يعزز من مكانة الرياضة والرياضيين في المجتمعات. يجيب أن يعي النخبة من الرياضيين سواء أكانوا لاعبين أو إعلاميين أو رؤساء روابط للمشجعين أنهم أصبحوا مراقبين في تصرفاتهم والمتابعون لأخبارهم يتداولون مقاطع تصويرية لهم وينشرون كلماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لذلك يجب عليهم الحذر في تصرفاتهم وبالخصوص العلنية منها حيث لم تعد الخصوصية كما كانت عليه سابقًا بل أصبحت شبه معدومة (على المكشوف) مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وعليهم اختيار كلماتهم بعناية والتي تبرزهم للمعجبين والمتابعين بصورة جميلة وتعكس روحهم وأخلاقهم الرياضية.
نحن كمجتمع مسلم ومحافظ نستمد سلوكياتنا وتربيتنا من كتاب الله وما ورد عن أهل بيت نبيه عليهم السلام لذلك يجب علينا إظهار السلوك الحسن والذي يعكس تمسّكنا بتعاليم وقيم ومبادئ الدين في جميع المعاملات والممارسات الحياتية بما فيها المنافسات الرياضية وفي أي مكان كان بما في ذلك الملاعب. هذا لا يمنع أن تكون الصالات الرياضية حاضنة ونافذة لتغذية الجانب الأخلاقي والثقافي للأفراد فكثيرٌ من الأشخاص يتعلمون بالمشاهدة والملاحظة وكثيرٌ من القادة يظهرون أنهم نماذج وقدوات يستحقون الإشادة والمتابعة.
“خل أخلاقك رياضية” هو مصطلح عصري وحديث استخدمه في بداية الأمر أهل الرياضة لتهدئة النفوس داخل الملاعب وقبول نتائج المنافسات بصدر رحب حتى أصبح بعد ذلك يتداول خارج النطاق الرياضي ومن قبل مختلف أطياف المجتمع بما فيهم رجال الدين لإطفاء روح الدعابة أو الفكاهة إن صح التعبير على بعض المواقف. كثيرة هي المواقف التي يستخدم فيها هذا المصطلح فرسالة الأخلاق الرياضية تتعدى الحدود الجغرافية للصالات والملاعب الرياضية. احترامك للآخرين بمختلف انتماءاتهم وميولهم يعني احترامك لذاتك وانعكاسًا لتربيتيك والبيئة التي نشأت فيها فاجعل من رقي تصرفاتك ودماثة أخلاقك وجميل أفعالك أثرًا جميلًا يطبع في نفوس الآخرين. فإذا كنت رياضيًا أو من عامة الناس وتعرضت يومًا ما إلى موقف أو إساءة غير مقصودة (مو مستاهلة) فلا ترد بالمثل وخلِ روحك وأخلاقك رياضية.