مرّت فترة الحُطوبة، لتصل إلى نقطة النّهاية بكلّ حيثياتها السّعيدة والحزينة، التي شعرت بها ياسمين، فلا تأتي الحياة في تفاصيلها، كما نُريد، وتشتهي أرواحنا، ثمّة شيء في داخلها، لا تعلم سببه، أتكون شفافية ذاتها، اتساع أفق ثقافتها، حسها الأدبي، علاقتها بالكلم، يجعلها تُبحر في زُرقة البحر، لتقرأ بين هُدوء شواطئه، وأمواجه الضّوء الخافت، الذي يكتشف القادم من درامية العلاقة، أحيانًا..، نستشعر الضّرر، ويصدق هذا الشّعور، كالرّؤيا، تقتحم لحظات الوسادة..
انتهى العام الدّراسي الأول، ولازالت أريج تُثير المشكلات في الشّقة من خلال نفسيتها، التي تظهر عبر تصرفاتها، لا يُعجبها شيء، تأنس في جعل العلاقة بينهنّٓ مُتوترة، تقتات على الخلافات، والأدهى من ذلك، تقُوم بصنعها، احتوت فاتن وسارة، وضعتهما تحت سيطرتها، تتحكم فيهما بشكل مُقزز، لاحظت ياسمين وحنان ذلك، لكنّٓهما لم تتدخلا في هذا الشّأن، كلتاهما تعتقد أنّٓ الإنسان لا بد من أن يتعلم من التّٓجربة، يُمارسها، ليتعرف على تقنية التّعلم من خلال الخبرة، وفلسفة الصّواب والخطأ في ذهنيته، وكيفية الاستفادة، التي تستخلص المعرفة الخالصة، الواعية؛ لتتكوّن لديه الخبرة، وفي نفس الوقت، كلتاهما تتألم، لهذا الواقع..
من الصّعب على ذاتك، أن يكون في يديك البلسم، وفي شفتيك الكلمات، التي تُطبب مُعاناة الآخرين، ولا تستطيع أن تضعه بين أيديهم؛ بسبب الظّروف، التي تكتنف البيئة، فهل يصح أن تزرع ثمرة التّفاح في تُربة لا تُناسبها؟!
في يوم الخميس، آخر يوم لهنّٓ في الجامعة، وقبل أن تتوجهن إلى المحطة، والرُجوع إلى الدّيار، يحملهن الشّوق إلى الأهل، والأحبة، إلى الأمكنة، التي لا تُفارق الذّاكرة.
في الغُربة، تجيء دقائق يومك لا تنفك الذّاكرة عن تفاعلها، تُدخلك في كلّ حياتك، تسترجع أحداثها، مواقفها، كفيلم سينمائي، تغرق فيه بكلك.
في الأجازة استعدت ياسمين لتجهيز نفسها لحفلة الزّواج، وتأثيث شقتها، يُرافقها خطيبها إبراهيم في كلّ شيء، كان ذهابهما إلى المحلات التّجارية، وعملية البحث عن الأشياء، التي تتقاطع مع ذوقهما، والتي ستحتضنها الشّقة، لتغدو، كالبُستان في لمساتها من أجمل الأوقات، تحكي روعة الخُطوبة، أنسها العذب.
إنَّ المشاعر بين الزّوجين، تتفاعل صُعودًا، وهما يُسابقان الزّمن، يُرتبان الزّوايا، التي تعكس وجنتيهما، ابتسامتهما، عناقًا أصابهما، كالمرآة، يتقاسمان خلالها التّفكير، ينظران إلى بعضهما، كأنّٓما البصر حلقة امتداد الشّغف اللّذيذ، ليعرف كلّ منهما رأي الآخر.. .
حنان كانت حاضرة في دُنيا ياسمين، لا تتوانى ياسمين في أخذ رأيها في التّفاصيل الصّغيرة ترتيب شقتها، مُرورًا إلى الأكبر منها، كونها توأم رُوحها، التي تُشاركها نبضاتها، ناهيك عن أفكارها، وأحلامها، فالمرأة ما قبل الزّواج، تهفو إلى من تكون ظلّها، إلى توأم رُوحها، إلى من تسكن القلب، لتكون بلسمه، وملاذه، تهتم كثيرًا برأيها..، لثقتها في ذوق حنان، كونها فنانة تشكيلية، ولها نظرتها الجمالية في التّنسيق، وتُتقن لعبة الألوان، ودرامية الأشكال الهندسية.. .
ذات لحظة، يكسوها الجمال خماره المُطرز بألوان قوس قُزح، في المساء، الذي اقترب فعليًا من نهاية العام الدّراسي، تحديدًا قبل يومين من موعد انطلاق الحافلة، كانت حنان، تقُوم برسم لوحة، كانت ياسمين تتأملها، تُحدّق في نُعومة أصابعها، في حركة الرّيشة، الألوان، في عينيها الخضراء، النابضة بالحياة، لتهمس في بوحها: حبيبتي حنان، أجدني في عينيكِ الخضراء اللّون، الأنثى، التي تُراقص العشق فوق اخضرار العُشب، ألحانها زقزقة العصافير، كحُلم، يُسافر من عينيكِ إلى عينيكِ، إلى عينيّ، يحمل حقائب المُتعبين في الحياة، لتبتسم لهم، كلّما جاءت مسافات الظلّ، كالضُوء عبر انعكاسه، كم..، يُرعشني الضّوء.. .
هذه الكلمات، هي الأشهى جمالًا، ستحملني في هذه الإجازة على جناح الطّاووس، قد تُسعفني، لأتحمل انشغالاتكِ، يا عروسة قلبي.. . تُداعبها حنان