من القديح.. زينب آل عبد الحي.. حرب أوكرانيا عطلت حلمها بـ«الطب» و«بحر تركيا» احتضن حلوياتها

حملت حلم أبيها بين زوايا قلبها وذاكرتها، فمنذ سنوات طفولتها الأولى وهي تسمع أمله بها في أن تكون طبيبة، كانت ترى صورتها مرسومة في عينيه، وهو يتخيلها ترتدي الرداء الأبيض وتعلق السماعة في رقبتها، إلا أن إرادة الله لم تمهله ليبلغ حلمه فيها، فقد اختاره الله وهي صبية لم تكمل الثالثة عشرة من عمرها.

ولأن ذاكرة الطفلة لم يمح منها أمل أبيها، فقد قررت زينب علي آل عبدالحي، أن تتجاوز كل العراقيل التي تواجهها لتحقق ذلك الحلم، فدرست واجتهدت إلى أن تخرجت في الثانوية، ثم التحقت بأوكرانيا لدراسة الطب هناك، حتى جاءت الحرب الأخيرة وبترت حلم تلك الشابة وحلم أبيها الراحل.

لم تيأس زينب، ولم تقرر أن تقف مكتوفة اليدين؛ تشاهد رداء الطبيبة وهو يودعها، ولم تسمح للحرب أن تهزمها تمامًا، فعادت إلى وطنها وداخلها قرار لا يكسر؛ “طالما توقفت دراسة الطب، فالحياة لم تتوقف، والأمل مازال موجودًا، سأعمل وأضع القرش فوق القرش، وأعود لدراسة الطب من جديد”.

من هنا انبثقت فكرة مشروعها “دينيز سويت”، الذي تقدم فيه حلويات مختلفة، وتجمع فيه شغفها القديم بصناعة الحلويات، وحلمها الجديد في أن تتمكن من جمع مبلغ يهيئ لها العودة إلى مقاعد الدراسة الجامعية مجددًا.

بين رحيل الأب وعرقلة القبول
بدأت حكاية ابنة القديح بعد وفاة والدها مباشرة، فالطفلة التي فقدت أباها لم تفقد العزيمة والطموح في تحقيق حلمه، تقول: “على الرغم من تعثري في عقبات كثيرة خلال دراستي، إلا أن صورة والدي وصوته وهو يحثني على الدراسة كانا يدفعانني لأكمل مشواري العلمي، فتحملت كل ما واجهني وأكملت دراستي، حتى أنهيت المرحلة الثانوية”.

وتضيف: “تخرجت، وبدأ مشوار البحث عن جامعة تقبلني، وسجلت في عدة جامعات إلا أنني لم أحظَ بالقبول، حتى جاءت جائحة كورونا، وعاودت المحاولة في التسجيل بالجامعات في عدة تخصصات وليس تخصص الطب تحديدًا، إلا أن الحظ لم يكن حليفي أيضًا ولم أُقبل في أي جامعة”.

موظفة تحلم بالـ”طب”
حاولت زينب أن تبني حلمها طوبة طوبة منذ طفولتها، فبعد موت والدها -رحمه الله- استغلت موهبتها في الرسم وبدأت تتعلم نقش الحناء وهي في الـ13 من عمرها، حتى أتقنته، وامتهنت هذا العمل مثل الكثير من بنات المنطقة، وفي الـ20 من عمرها تركت نقش الحناء، بعد أن بدأت مشكلات التنفس والتهابات الجيوب الأنفية تطرق أبواب صحتها، فرائحته القوية كانت عائقًا في أن تواصل صحبتها لهذه المهنة.

أكملت مشوار العمل، ولم تتوقف عند عملها كحناية، فاتجهت للعمل في عدة أماكن، كان من بينها عملها طاهية للحلويات في أحد المقاهي بالقطيف.

انشغلت آل عبد الحي في عملها، لكنها لم تنشغل عن أمنية الدراسة، كان حلمها بالطب يراودها بين فترة وأخرى، فعقدت العزم على تحقيقه، وجمعت المبلغ الذي ادخرته، وأضافت له ثمن سيارتها التي تعينها على مشاوير وظيفتها، فقد قررت أن تتخلى عنها كما تخلت عن عملها في المقهى من أجل أن تسافر لدراسة الطب.

في أوكرانيا
تحكي باختصار قصة دراستها لـ«القطيف اليوم»، تقول: “حين لم أوفق للقبول في أي من الجامعات هنا، قررت أن أدرس الطب على حسابي الخاص، وبحثت عن جامعة تناسبني، وكنت قد ادّخرت مبلغًا يساعدني في تحمل نفقات الدراسة، كما بعت سيارتي لأضيف ثمنها لما ادخرته، فأنا لن أحتاجها طالما أنني سأسافر”.

وتضيف: “كان ذلك في عام 2021م، وسجلت في إحدى جامعات أوكرانيا، وأنهيت جميع أوراقي، وسافرت للدراسة، بقيت هناك 6 أشهر وجميع أموري وأمور دراستي كانت تسير بخير، إلى أن بدأت الأوضاع تضطرب هناك، فعدت إلى وطني قبل قيام الحرب بأسبوع”.

من الطب إلى الحلويات
تعثّر حلم زينب، لكنه لم ينكسر تمامًا، لذلك حين عادت إلى الوطن بدأت تبحث عن وظيفة جديدة تعينها في جمع مبلغ؛ لتعود للدراسة من جديد في مكان آخر، غير أن أبواب الوظائف لم تفتح أمامها، ومع ذلك لم يعرف اليأس طريقًا إلى نفسها، فقررت أن تبدأ مشروعًا يوفّر لها دخلًا خاصًا ويعينها على الادخار لتعاود بناء حلمها مرةً أخرى.

تعود “آل عبد الحي” بذاكرتها إلى علاقتها الأولى بالحلويات، تقول: “في عمر الثالثة عشرة تقريبًا بدأت أدخل المطبخ وأحاول أن أجرب إعداد أطباق بسيطة من الحلويات، وكان أول طبق لي عبارة عن حلوى باردة أعطيتها اسم “باسكن”، لأنها مشابهة لآيسكريم “باسكن روبنز”، من ناحية الكيك والآيسكريم، وكان وقتها طبقًا يحظى بإعجاب من حولي، فما إن أقوم بإعداده حتى ينتهي بسرعة، وذلك للذة طعمه كما كانوا يقولون لي”.

وتمضي في حديثها: “تطورت في إعداد الحلويات، وكنت في كل “زوارة” -حرفيًا- لا بد أن أعدّ طبق حلوى، سواء بسبوسة أو كعكة الزعفران أو التشيز كيك أو غيرها، المهم أن أحمل معي طبقًا في كل زيارة لأي بيت من بيوت أقاربي، أو حتى في زيارات والدتي التي كانت تشجعني لأصنع لها طبقًا تأخذه معها في زياراتها، كما أنني كنت أحب أن أطعم المناسبات الدينية من الحلويات التي أصنعها حتى وإن كانت بسيطة”.

ولأن العائلة السند الأول لكل شخص، فقد وجدت زينب التشجيع من عائلتها لتنمية موهبتها، كما أنها كانت تحظى بالتشجيع لتفتح لها مشروعًا خاصًا لصنع الحلويات، لكنها لم تكن تستجيب لذلك الاقتراح لانشغالها بدراستها، ثم عملها، وبعدها سفرها للدراسة.

بداية.. واليد الواحدة تصفق
شاءت إرادة الله أن تعود زينب لصنع ما تحب حتى تصل إلى ما تحب، فهي بعد كل العراقيل التي تعرضت لها، وقفت من جديد وافتتحت مشروعها الخاص في صناعة الحلويات التي تحبها.

تقول: “في شهر يوليو تحديدًا، قررت أن أنطلق في مشروعي الخاص وبدأت بالأفكار وتنسيق قائمة الطعام وغيرها، وقد صممت الشعار والتصميمات لمتجري بنفسي، كما أنني استعنت بموهبتي في التصوير لتصوير منتجاتي، إضافة إلى أنني أشتغل في صنع الحلويات بنفسي من وإلى، وفي منتصف شهر أغسطس بدأت في استقبال الطلبات”.

حلويات من “بحر تركيا”
أطلقت زينب مشروعها “دينيز سويت”، على حساب الإنستغرام كما افتتحت لنفسها موقعًا إلكترونيًا تعرض فيه منتجاتها.

وحول اختيارها للاسم أوضحت: “أحب دولة تركيا وأحب اللغة التركية، كما أنني أحب البحر، و”دينيز” معناها البحر بالتركية، و”سويت” تعني الحلويات، لذلك جمعت ما أحب باختصار في “دينيز سويت” أي بحر الحلويات.

اعتمدت “آل عبد الحي” تنسيقًا خاصًا لحلوياتها، مبينةً أنها استعانت بوظيفتها السابقة في أحد المقاهي لإخراج حلوياتها بطريقة تناسب ما يقدم في المقاهي، حيث تقول: “أظن أن الناس تحب أن تذهب إلى المقاهي فأحببت أن يكون إنتاجي مقاربًا لإنتاجها من ناحية الترتيب والتصميم والطعم”.

نكهات في عالمها الصغير
جهزت زينب مطبخها الخاص قبل كل شيء، ليكون عالمها الخاص الذي تدخله من 4:00 صباحًا إلى 12:00 ظهرًا، بعد أن تشتري المواد من المحلات المختصة بالحلويات، مجتهدةً في أن تنتقي المكونات الأصلية من أجود الأنواع.

وبينت أنها تعرض في متجرها الإلكتروني وحسابها عدة نكهات مختلفة؛ مثل الشوكولاتة البلجيكية والكيندر وكعك الزعفران والماربل بأنواعه “القهوة والأوريو واللوتس” وكذلك التشيز كيك بنكهات مختلفة كالبستاشيو واللوتس والأوريو والسولتد كراميل، وحاولت أن تترك لنفسها بصمة خاصة في متجرها فصنعت صنفًا خاصًا أسمته “دينيز سبيشل” وهو -حسب وصفها- لمحبي الشوكولاتة البلجيكية، ولم تنسَ الاجتماعات العائلية والمناسبات من العلب الخاصة بها.

بين الدعم واللا دعم
تدين “زينب” بالفضل في انطلاق مشروعها بعد الله تعالى إلى أسرتها، تقول: “أمي -حفظها الله- هي أول داعم لي بالتشجيع، ثم إخواني وأخواتي، حتى إن رأس المال الذي بدأت به مشروعي كان من أخي الذي لا يوفّيه الشكر حقه لوقوفه بجانبي ودعمه لي”.

ومع دعم أسرتها حاولت أن تجد دعمًا آخر يعينها في تسويق منتجاتها، لكنها -حسب قولها- لم توفق في ذلك، حيث توضح قائلة: “في بداية مشروعي كلمت إحدى الفوتوغرافيات لتصوير منتجاتي وأعطتني موعدًا ثم أخلفتني في نفس اليوم قبل موعدنا بنصف ساعة، وأعطتني موعدًا آخر لليوم التالي وانتظرتها لكنها أخلفتني مجددًا، وأعادت لي المبلغ الذي قمت بتحويله لها دون أن تبدي لي أسبابًا حول تصرفها، على الرغم من أنها -بتصرفها هذا- تسببت لي في خسارة منتجات كنت قد أعددتها للتصوير خصيصًا”.

وتضيف: “لم يكن ذلك الموقف الوحيد، فقد كلمت أحد المشاهير في المنطقة ليعلن لي، وحين علم أنني من الأسر المنتجة اعتذر عن الإعلان دون نقاش، بالرغم من أنني -في قرارة نفسي- كنت عازمة على دفع المبلغ الذي يحدده، لكن الحمد لله، فأنا أثق أن الله يختار لعبده الصلاح في أمره، ولعل اعتذارهما عن الإعلان لي خير من الله”.

حلم أكبر
ختمت “آل عبد الحي” حديثها بحلم أكبر من حلمها الأول، فهي بعد أن أطلقت مشروعها تحلم بأن يأتي اليوم الذي تفتتح فيه مقهى خاصًا بها، إضافةً إلى العودة إلى مقاعد دراسة الطب.




error: المحتوي محمي