كل شيء عن القهوة (1).. إلى محبي القهوة.. لا تقل حيرتمونا!

مع إشراقة كل يوم جديد، تعوّد بعضهم تناول كوب من القهوة أو أكثر، ويصبح من الصعوبة بمكان عليه الاستغناء عن هذه الكمية بعد أن تعوّدها لسنوات فيما يشبه الإدمان، قد يصدق هذا بالنسبة للقهوة، أما أن يشتاق بعضهم إلى أطعمة مثل اللحم والجبن والمشروبات الغازية لنفس الأسباب، أي الإدمان فذاك أمر مستغرب!

القهوة الأصيلة المشروب الوحيد المفضل لا ينافسه مشروب آخر، ويرمز تقديمه مع التمر إلى الضيافة والحفاوة، ولا يخلو بيت منها، وكان الإدمان على شربها شائعًا. يقال إن القهوة هي المشروب الثاني في العالم بعد الماء، وفي حضرة الفنجان يدور الكلام حول مختلف شؤون الحياة، الفنجان الصغير هو الواحة التي نسترخي حولها لنفكر ونتأمل ونتكلم. وكثيرًا ما نسمع ونقرأ حول تأثير القهوة وعلاقتها بالصحة والمرض، إلا أن كثيرًا مما يثار حولها ما زال يترك للمتأمل أكثر من تساؤل، ولعل الاضطراب في وضوح الصورة عند كثير من الناس وترديدهم الدائم بالقول: نصدق من؟ سببه التضارب في نتائج الدراسات وعدم اتفاق واضح حول حقيقة ما تحتويه القهوة وتأثيرها على صحتنا، فماذا كنا نعتقد؟ القهوة تسبب صداعًا وأرقًا وزيادة حركة، القهوة تسبب تهيجًا وفقدانًا حادًا في التركيز، القهوة ترفع ضغط الدم وتعرّضنا للإصابة بأمراض القلب، القهوة تؤدي إلى اضطرابات في تنظيم الجلوكوز في الدم، القهوة تسبب ترقق العظام وتليف وسرطان الكبد، وتعجل علامات الشيخوخة. وماذا يقال الآن؟ ليس صحيحًا أن القهوة مسببًا مهمًا للمرض كما تصورها بعضنا، لقد اتضح أن القهوة على العكس من ذلك، فإنها تنعش قلوبنا، وتحمي خلايا أجسادنا وأنسجتها من المواد المحفزة للأمراض، وتمنحنا القوة والنشاط، لقد اتضح أن الأشخاص الذين اعتقدوا أنهم يسيرون بالاتجاه الصحيح كانوا في الحقيقة يسيئون إلى أجسامهم.

فإذا كنت من عشاق القهوة، ماذا تفعل إذا جلست ذات صباح، تتناول إفطارًا لم تعد القهوة العزيزة إحدى مفرداته؟ ليس ثمة ما يترك أثرًا في النفس ما تتركه الذكريات الجميلة، لنتذكر وبشيء من التأمل تلك الأيام الخوالي، صورة تلك المرأة التي تعودت أن تقدم لزوجها القهوة في كل صباح، كانت المرأة عنصرًا مكملًا لجهد الرجل، وجزءًا لا يتجزأ من معادلة البقاء اليومي، حكيمة، تهتم بمنزلها، شعارها كيف تجعل زوجها سعيدًا وهادئًا، فهي تقدم لزوجها فنجانًا من القهوة المحضرة من أفضل حبوب البن الطازج المحمص المطحون حديثًا، والتي تفننت في إعداده.

– المبدأ الأساس في تحضير فنجان قهوة يقوم على تحميص بذور البن وطحنها، واستخراج محتويات المسحوق ونكهته بالماء المغلي، لكن كيف؟ هناك ألف طريقة وطريقة للحصول على ألف مذاق ومذاق، فلكل شعب من شعوب الأرض طريقته الخاصة في صنع القهوة، وفي مجتمعنا الخليجي يفضل الكثيرون من الأسر شراء حبوب البن اليمني التي تتميز بلونها البني المشوب بالخضرة، أو بن جمايكا الشائع عالميًا، وتقوم سيدة البيت بالتحميص والتحضير وخلطها بالتوابل مثل الهيل والزعفران والزنجبيل والقرنفل وغيرها، ويعتمد ذلك على رغبة الشخص الذي يعد القهوة وطريقته في إعدادها، ولهذا تختلف نكهة القهوة العربية من مكان لآخر ومن منزل لمنزل، وطارت شهرة “القهوة المرة” التي تحضر من أفضل أنواع البن الطازج.

شرب القهوة صباحًا تنشّط الجهاز الهضمي وتساعد على طرد البراز، وتقلل من احتمالات الإصابة بمرض السكري ومرض باركنسون، وتساعد في مقاومة مشاعر الإحباط والحزن والاكتئاب، وتمثل عامل حماية مهمًا ضد العديد من أمراض القلب والجلطات القلبية والدماغية، وبعض الأمراض ذات العلاقة بالتغذية وعلى رأسها مرض السرطان لاحتوائها على نسبة عالية من مضادات الأكسدة، وزيادة على ذلك، أجرت جامعة أكسفورد استقصاء من عام (1966 – 2013) وخلصت الدراسة في عام 2014م إلى “أن شرب أربعة أكواب من القهوة يوميًا (400 ملجرام) تقلل نسبة الوفيات للأسباب العامة بنسبة 16%، وتقلل وفيات أمراض القلب بنسبة 21%”، وهناك دراسة أخرى في نفس الجامعة نشرت في 2015م خرجت بنتيجة مفادها “أن استهلاك القهوة يكافح أحد أنواع سرطان الجلد وهو ما يعرف بالـmelanoma”.

الواقع أن مضار القهوة وفوائدها كانت موضع اهتمام الأطباء والباحثين، وتسجل الدراسات كل يوم نتائج جديدة تصبّ تارة في خانة تشجيع استهلاك هذا المشروب، أو تحذّر من الإفراط في استهلاك ذاك، فالقهوة تتضمن مادة كيميائية يعرفها الجميع: الكافيين، ويسميه الطب “الإدمان على الكافيين” وتؤدي إلى اضطرابات قلبية وتنفسية وغيرها، رغم إقرار البعض بأهمية القهوة في حماية الجسم من العديد من الأمراض، هناك شيء من الضبابية لا يزال يكتنف هذا المفهوم عند الكثيرين، وغالبًا ما نربطه في أذهاننا بجوانب محددة منه دون أخرى، مما استوجب التعديل والتحوير في عملية التصنيع، فلجأت شركات تصنيع الغذاء لنزع أو تقليل نسبة الكافيين من بعض أصناف القهوة الجاهزة لتفي برغبات واحتياجات المتخوفين، وبالرغم من هذا الاتجاه واللغط الدائر حول القهوة التي تحتوي على الكافيين فهناك دراسات حديثة من لوس أنجلوس خلصت إلى أن الكافيين ليس له أي تأثير على الصحة ولا يسبب الإدمان لمعظم الناس، ووفقًا للدراسة الفرنسية الأكثر شهرة فإن شرب ثلاث كؤوس من القهوة يوميًا ليس له أي تأثير على جزء المخ المسؤول عن الإدمان، بجانب ذلك فقد خرج “نهلج” من المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الصحية والطبية من أبحاثه بنتيجة مفادها أن الاستهلاك المعتدل للكافيين يحفز الطاقة والنشاط ويجعل الإدمان أمرًا غير قابل الحدوث، والمشكلة في دراسات “نهلج” هذه أنها ممونة من صناعة القهوة الفرنسية! وما زلنا نرصد ونتابع الدراسات، وننقل للقارئ ما جد من تلك الدراسات.

– بدون دعاية للقهوة الطبيعية – التي لا نخفي تحمسنا لها – القهوة المشروب الرائع والأصيل بحق، ويتمتع بشعبية واسعة. وجرت العادة في مجتمعنا أن يدعو الرجل صديقه أو من يقابله من معارفه بعد غيبة طويلة بقوله تفضل على القهوة.

وفي ضوء هذا المنظور يستحسن أن نلقي نظرة على الجانب الآخر عالم تصنيع القهوة العصري “الكافي شوب ” الذي يعتقد فيه الكثير من الناس بأنه مظهر من مظاهر الحضارة! وللحديث بقية.

منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي