بقايا من كشمير

تلحف ببطانيته الكشميرية التي أهدته إياها خالته حينما كانت تدرس الطب في باكستان. وراح يتحسس دفئها بالرغم من ضعف سماكتها. وبالراحة التي انتابته بالرغم من صغر حجمها. فتبسم بهدوء وألحقها بنفس عميق لم ير بعده إلا وجه أمه، ترافقها إشراقة شمس الصباح. وبينما كان يجهز نفسه للذهاب للمدرسة كان قد شاهد مجموعة من الملابس المرتبة والمعطرة والجاهزة للارتداء. كذلك شاهد مجموعة من الفطائر التي أعدت له ولإخوته. وخلال سيره نحو المدرسة كان يفكر بمدى الجهد التي تقوم به والدته. وما إن جاء الليل حتى عاد ليختبئ داخل تلك البطانية. فراح يستحضر المهام غير المنتهية والجهد الذي تبذله والدته. وتساءل قائلًا: لماذا لا يقوم والدي بإحضار خادمة تساند والدتي؟! وما هو إلا نصف يوم حتى صار والده يرتب لإحضار الخادمة.

مرت الأيام وعلاقته بتلك البطانية تتوطد أكثر وأكثر. وصارت جفونه لا ترقد إلا بعد أن يقبض على أطراف بطانيته بيده الصغيرة. وفي أحد المرات كان يشاهد جاره الكبير وهو يقود سيارته العتيقة. وشعر بصعوبة الحياة مع ما قد استهلكه الزمن. وفي الليل كان قد رمى بنفسه على سريره وأمسك بأطراف بطانيته. وراح ينفضها بقوة ثم يتركها لترتمي عليه. وما إن صار بداخلها حتى تذكر جاره وسيارته. ومرة أخرى وما بين الأمنية تحت تلك البطانية والوسن، كانت الأقدار تقود جاره ليرمي بقسيمة في صندوق المسابقات ليفوز بعد أسبوع بسيارة.

وفي أحد الأيام راحت خالته تتساءل عن وضعه مع البطانية. فراح يمازحها قائلًا: من يسمعك وأنت تسألين عنها يشعر أنك تسألين عن مكينة طائرة! إنها مجرد بطانية. فردّت عليه قائلة: ليست مجرد بطانية. وبالرغم من تجاهله لتلك الكلمات إلا أنه كان يعرف مدى راحته عندما يكون تحت تلك البطانية. وبعد أشهر قليلة شاهد أخته تبكي. وحينما حانت ساعة نومه، غطى نفسه تمامًا بالبطانية وكأنه يريد أن يختبئ من العالم. وراح يتمنى ما تتمناه أخته. ومن أن جاء الصباح حتى تحولت مخاوف أخته لسعادة عارمة. فلقد تم قبولها في التخصص الذي كانت تتمناه. لقد أدرك أخيرًا مدى السحر الذي تحدثه تلك البطانية القادمة من كشمير، حينما يرسم الأماني. وراح يحكي قصته للآخرين إلا إنه في إحدى المرات نزل تحت بطانيته وتمنى أن يحصل أخوه على الترقية التي يسعى لها. وما هي إلا أيام حتى وجد أن الأمنية قد تحولت لواقع. وحين راح يخبر أخيه وأفراد عائلته كان قد تفاجأ بأن الترقية كانت قبل أسبوع، أي قبل أن يتمناها تحت بطانيته. وهنا وجد أنه سوف يكون أقرب للمجنون في نظر الناس. وبدأ ينسى أمر تلك البطانية. ومرت السنون وتمنى لو كان بمقدوره أن ينفي غريمه من الوجود، في سبيل الحصول على من تفطر قلبه لها. وبينما كان في الطريق متوجهًا نحو منزله. تذكر أمر البطانية وقال: لو كانت تلك البطاينة حقيقة؟ لتمنيت أن يموت حرقًا. وما أن وصل حتى كانت رائحة الحريق المنتشرة تغطي أرجاء المنزل. ورجال الإطفاء يخمدون الحريق الذي نشب في غرفته (فقط) نتيجة ماس كهربائي. ونظر نحو الأرض فوجد بقايا من القماش الكشميري.



error: المحتوي محمي