تعرّف إلى كيدِ النساء!

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، المتحدثات بهذا الكلام كنّ نساء أشراف مصر، حيث كانت أخبار القصور آنذاكَ مملؤةً بفساد الفراعنة وحكايات النساء. لم يكن هؤلاء النسوة بأقلّ من امرأة العزيز رغبة في يوسف عليه السلام، وبالرغم من أن عشقَ امرأة العزيز كان مسألةً شخصية، لكن انظر إلى مكر النساء وتفننهنّ في انتقاءِ الكلمات:

“امْرَأَتُ الْعَزِيزِ”: لم يصرّحنَ باسمها وكنّ يعرفنه، بل نسبنَها إلى زوجها عزيز مصر! كيف تفعل ذلك وهي من ذواتِ الأخطار؟ امرأة العزيز الحاكم! هي ليست امرأة عادية!

“تُرَاوِدُ فَتَاهَا”: تتنزل وتطلب وتداوم على ودّ ووصال صبيّ مستخدم ومستأجر، يعمل في قصرها؟ ليس كفؤًا لها! كيف يحصل هذا من أمثالها؟

“شَغَفَهَا حُبًّا”: ألا ترون كيف شابّ يعمل لديها في القصر ملكَ عليها كل قلبها؟ كيف استولى على الغشاء الرقيق المحيط بقلبها، وتعلقت به إلى درجة؛ بحيث نفذ حبه إلى قلبها واستقرّ في أعماقه؟

أَتاني هَواها قَبلَ أَن أَعرِفَ الهَوى
فَصادَفَ قَلبًا خالِيًا فَتَمَكَّنَا

“إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”: لا نشك! نحن نعلم علم اليقين أنها في أمرها على خطأ عظيم. ليس حكمًا عن مجازفة بل عن علمٍ ورأي ويقين مع التلويح بأنهنّ متنزهات عن أمثالِ ما هي عليه من الفعل!

يرى بعض المفسرين أن إشاعة هذا السرّ من قبل هذه المجموعة من نساء مصر، كانت خطة معدة لتحريك امرأة العزيز حتى تدعوهنّ إلى قصرها لتكشف لهنّ عن براءتها وتريهنّ يوسفَ وجماله! ربما رآهنّ يوسف أجمل من امرأة العزيز فيبهرهُ جمالهنّ. وربما لأنّ يوسف كان يحترم امرأةَ العزيز احترام الولدِ لوالدته فهو لا يطمع فيها، فيكون نفوذهنّ إلى قلبه أقوى من نفوذ امرأة العزيز إليه ويصلنَ إليه.

تنويه: ليس المقصود بالنساء أخواتي – المؤمنات – فهنّ بحمد الله كلهنّ أَمانَة، استقامَة، سكينة، هُدُوء، وَفاء، وغير ذلك من أجمل الصفات وأحمدهَا. فلربما كان في القصةِ دليل على براعة ودهاء النساء، مع أن كيد الرجال أخطر! كيد إخوة يوسف عليه السلام كاد أن يودي بحياته، أما كيد النساء وإن كان أدخله السجنَ إلا أنه انتهى نهايةً جميلةً وسعيدة!

فإذا كان الكيد موجودًا لدى الإنسان – رجلًا وامرأة – وكان له جانبًا مسالمًا، فما أجمل أن يسخّر هذا الكيد والذكاء في البناءِ دونَ الهدم وفي ما يعمر به البلاد ويحسن به حالُ الإنسان ونجاح الأعمالِ والتمدن!



error: المحتوي محمي