من الأعلم؟
في الثامن من شهر صفر سنة 1413هـ، عرجت روح سماحة مرجع الطائفة السيد الخوئي (قدّس سرّه) إلى بارئها، عن عمر ناهز 96 عاماً. وعلى إثرها عمّ الجدل والاضطراب الساحة الشيعية حول تعيين المرجع الأعلم بعده، ومن يرجع إليه المقلّدون، وهذا الأمر يحدث في كلّ مرّة تُطرح فيها مرجعيات جديدة.
في ذلك اليوم القريب بعد وفاة المرجع كنتُ في مجلس سماحة الفاضل السيد سعيد الخباز (حفظه الله) في حيّ السيدة زينب (ع)، وكان هناك الكثير من الزوّار، وإمام الجماعة في صلاة المغرب أحد السّادة المعروفين، وهو من الفضلاء المرموقين في العلم والتواضع، وممن يجلس في مجلس الاستفتاءات للمرجع الميرزا جواد التبريزي (قدّه)، وهو السيد صالح نجل السيد محمد حسين الحكيم (قده).
جلسنا – أنا والشيخ حسن الجنبي- نتحدّث إليه بكلام خاص في نفس المجلس، وكان من أسئلتنا: مَنْ ترون المرجع الأعلم بعد وفاة السيد الخوئي (ره)؟
فأجابنا: أنا أرى أنّ السيد عبد الأعلى السبزواري يجزئ تقليده؛ لأنه يحتمل أن يكون الأعلم.
فاعتمدنا هذا الكلام وقلّدنا السيد السبزواري، ولكن بعد شهر أو أشهر قليلة من مرجعيته، انتقل إلى رحمة الله، ولم نفعل بشيءٍ في فتاواه الشرعية الخاصة سوى الاستناد والنية.
عالم مرموق يزورنا
ثم بعد مرور أكثر من شهر أو شهرين من وفاة السيد الخوئي (ره) زارنا سماحة عالم مرموق (حفظه الله) في الشقة في حي السيّدة زينب (ع)، وهو زائر عابر، وكنّا – أنا والشيخ محمّد عبد الشهيد آل قاسم وهو من طلبة القديح المثقفين – وحدنا مع سماحة العالم، فسألنا السؤال الملحّ علينا في هذه الايام:
مَنْ ترى في نظركم المرجع الأعلم بعد السيد الخوئي؟
أجابنا:
《في نظري، أنّ الأعلم هو السيد الأستاذ السيستاني، فيصح تقليده مطلقاً، وأنا أرجع الآن إلى هذا السيد الأستاذ مطلقاً.
ولا يصح أن تجري الاستصحاب لإثبات أعلمية السيد الخوئي على السيد السيستاني بعد وفاة السيد الراحل؛ لأنني أشك في أيام حياته، هل هو الأعلم أم السيستاني، فيجوز الرجوع إليه مطلقاً الآن ولا يرجع إلى السيد الخوئي، هذا أولاً.
وثانياً: إنّ مباني السيد السيستاني في علم الرجال تكاملت قبل أن تتكامل مباني السيد الخوئي، ويعرف هذا من أنّ السيد الخوئي في بداية مرجعيته طلب من السيد السيستاني أن يعطيه أوراقه في علم الرجال، وأعطاها إيّاه، ثم تبلورت مباني السيد الخوئي في علم الرجال》.
الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع!
في ذكر السيد صالح الحكيم
أذكر أنّنا في يوم من الأيام صلّينا خلفه (رحمه الله)، ولما قرأ سورة الفاتحة طرق سمعي مفردة من إحدى الآيات، لم أكن متيقناً أنّي سمعتها خطأً، أو أنّ إمام الجماعة لم ينطقها بشكل صحيح!
وفي أثناء التعقيب، وهو جالس في مصلّاه، استفسرت منه عن المفردة التي لم أتبيّن صحّة قراءتها منه، فطلب منّي التمهّل قليلاً لينفرد بي.
وهكذا كان، جلسنا في غرفة خاصة لا يوجد فيها أحد من الزوّار، وقال: أنا سأقرأ الفاتحة، وأنت تصحح قراءتي.
فلمّا وصل إلى الآية المطلوبة، تيقّنت تماماً خطأ قراءته، وقلت له: الأصح أن تقرأها هكذا!
ثم أعاد قراءة الفاتحة بصورة صحيحة، مستفسراً ما إذا كان يخطئ في آية أخرى، فأجبته بالنفي، فقال: جزاكم الله خيرا
فأكبرته لتواضعه الرفيع الذي جعله يسمع ويقبل الرأي والإرشاد من هو أقلّ منه مرتبة في العلم والعمر الزمني، مستحسناً – في الوقت نفسه – مبادرتي لإبداء الملاحظة الخطأ وتصويبها.
وحقّ لمثله أن يكون موضع تعظيم وتقدير وإجلال، فالخطأ والغفلة عن الصواب ليس مستبعداً عن أيّ إنسان ليس مسدّداً بالعصمة والتأييد الإلهي.