إن القلب ليس مجرد عضو يعمل ليل نهار لا يكل من الانقباض والانبساط لضخ الدم لسائر الجسد، وفي واقع الأمر لا يعد الشخص ميتًا عند توقف عضلة القلب عن تلك العملية الفسيولوجية المادية فقط فهناك أيضًا معاني معنوية للفؤاد أبعد أفقًا من ذلك.
فكم من البشر أحياء يرزقون بيننا في هذه الأرض وقلوبهم ميتة؟!
تلك القلوب الميتة تقسو وتجرح وتؤذي الآخرين بالقول والفعل بعذر الصراحة الزائفة والأنانية المطلقة، متناسية أن القلب هو حرم الله وسكنه، متجاهلة أيضًا أن تلك التصرفات اللامبالية قد تكسر قلب أحد ما وقد تكون السبب في مرضه أو فقدانه آخر أنفاس حياته وهؤلاء الذين وصفهم الأديب جبران خليل جبران في رائعته الشعرية بقوله:
وقاتلُ الجسمِ مقتـولٌ بفعلتـهِ
وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
تحير العلماء لسنوات طويلة في فك رموز ارتباط حالات اعتلال القلب بالمشاعر المؤذية وإذا كان فعلًا هناك أي رابط علمي يفسر العلاقة بينهما؟
تم اكتشاف أول حالة فعلية من ظاهرة انكسار القلب وتشخيصها بهذا النوع من الاعتلال في عضلة القلب في اليابان عام 1990م حيث تم التفريق بين تشخيصات مشكلات القلب المختلفة بشكل أدق وأن ظاهرة انكسار القلب كانت في السابق تُشخص على أنها نوبة قلبية (Myocardial Infraction) بسبب تشابه العلامات والأعراض ونتائج تخطيط القلب المبدئية بين المرضين مثل الشعور بألم في الصدر وضيق في التنفس وأحيانًا إغماء ولكن مع تطور الأبحاث توصل العلماء إلى فرق دقيق في التشخيص واكتشاف متلازمة انكسار القلب كتشخيص منفصل في حد ذاته له أعراضه ومسبباته وطرق علاجه، فوجدوا أن الخيط الرفيع في تشخيص ظاهرة انكسار القلب أن نتائج تصوير الأوعية التاجية للقلب لا تكشف عن أي انسداد فيها، بينما يوجد ذلك في النوبة القلبية.
متلازمة انكسار القلبTakotsubo cardiomyopathy-Broken heart syndrome هي حالة حقيقة فسيولوجية قد يتعرض لها القلب فيتضخم فيه البطين الأيسر من جراء التعرض إلى الصدمات العاطفية، الحزن أو الإجهاد النفسي البدني الشديد فيسبب قصورًا حادًا في ضخ الدم بشكل مؤقت بينما تواصل باقي أجزاء عضلة القلب عملها بشكل طبيعي ويُعتقد أن هذا التضخم يحدث عندما ترتفع نسبة إفراز هرمونات الإجهاد مثل الأدرينالين والنورادرينالين في حالات التوتر والإرهاق النفسي والجسدي والوجداني فتسبب تشنجات واضطرابات في الأوعية الدموية الدقيقة للقلب. كما أن الفائض من هذه الهرمونات قد يترسب في الخلايا العضلية مما يسبب الآلام العضلية المزمنة المنتشرة على نطاق واسع في الجسم.
وتم عزو الأسباب التي قد تؤدي لهذه المشكلة إلى مسببات جسدية مثل التعرض لعملية جراحية خطيرة، وحدوث فشل حاد في التنفس أوالإجهاد البدني الشديد ولكن تم ترجيح نسبة المسببات العاطفية في حدوثها بشكل أكثر شيوعًا مثل الخوف، القلق، الغضب، الفقد سواء بموت أحدهم أو الانفصال، الصراعات في العلاقات الإنسانية، والصدمات العاطفية الشديدة سواء من قول أو فعل جارح.
والجدير بالذكر أن العلماء قد توصلوا لتشخيص متلازمة انكسار القلب وطرق علاجها منذ ما يقارب 30 عامًا من الآن، إلا أن الفسيولوجية المرضية لهذه الظاهرة لا تزال غامضة نوعًا ما وقيد الأبحاث العلمية المتواصلة.
على الرغم من أن التشخيص الدقيق وتلقي العلاج المناسب والدعم النفسي الكافي يسهم في تعافي حوالي 95% من المرضى بشكل كامل، إلا أن الأسابيع الأولى من الإصابة بهذا الاعتلال تُعد الأكثر حرجًا لبعض الحالات لأنها تحتاج لفحص متكرر لتقييم مرحلة التشافي وللحد من حدوث بعض المخاطر المصاحبة مثل التعرض للسكتة الدماغية خلال أول شهر من الإصابة والدخول للمستشفى.
وبالتالي حتى بعد مرحلة التعافي التام فإن هؤلاء المرضى يحتاجون لتلقي الرعاية القلبية طويلة المدى للاطمئنان على استقرار حالتهم الصحية.
ونتيجة لذلك فإن القلب ليس مجرد أوعية وشرايين تستجيب لأوامر الدماغ بالنبض وإنما هو منظومة متكاملة تعقل وبه شبكة عصبية ثنائية الطرف مرتبطة بالدماغ وقادرة على اتخاذ القرارات الوجدانية بشكل منفصل عن الدماغ كما أن له ذاكرة للألم مشابهة لمثيلتها في الدماغ فالقلب هو سكن الروح وميدان النفس ومنبع الطمأنينة وهو المضغة التي إذا صلحت عزائمها صلح كل ما سواها من الجسد والذي أشار له سيد الخلق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الشريف: {ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلحَتْ صَلحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ}.
وعلى الرغم من أن متلازمة انكسار القلب لم يتم اكتشافها كما أشرنا مسبقًا إلا منذ ما يقارب الـ30 عامًا، إلا أن أمير البلغاء علي بن أبي طالب (ع) قد أشار لها قبل ما يقارب الـ1400 عام في قوله:
وَاحْرصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى
فَـرُجُوعهَــا بَعْــدَ التَنَــــافُـرِ يَصْعُـب
إِنَّ القُلـوبَ إِذَا تَنَــــافَـرَ ودُّهَـــــــــا
شِبْهُ الزُجَـاجَــةِ كَسْرُهَــــا لا يُشْعَبُ
فترفقوا بقلوبكم وبقلوب من حولكم واخرج إلى كل ما عداك من الرحمة إليك، حتى لا تكون سببًا خفيًا في معاناة، أو مرض أحد ما.
ودامت قلوبكم حية رحيمة..
اختصاصي أول عظام في العلاج الطبيعي: