ولَو تَصَفَّحتَ أَورَاقِي لِتَقرَأَهَا.. رأَيتَ تَأَمُّلَاتِي جُلّ أَورَاقِي
1. فِي بِساط أَسمى وأَنمى زِحام هَدْأَةِ فضاءات الصمت الغيبيّة؛ وسَواد صميم وعميم إضاءات صَحوة السكُون الخَلقيّة؛ وفي خِضمّ هَجْعَةِ إعتام آفاف الخشوع الملكوتية، تَتجلّى فَائق وسَابق عَظمة الخالق، وتَجِلّة المُبدِع المُصوّر، عزّ وعلا؛ وتَتعالى بكَرم الرفد، وسَخاء إنعام العطاء، ورَائق رَفيع كُنه القدرة الإلهيّة السرمَديّة المُسيطِرة المُقتدِرة، في تسيِير وتدبِير دفّة ذُورة سِياقات ومُجريات آفاق النظام الكوني المُتناسق المُتساوق؛ الذي تَتقزّم بتصاغُر وابتذَال، أمام فيض قُدرته القادِرة، أعظَم مُجاراتٍ صِوَرِيّة؛ وأفخَم مُماثِلاتٍ زائفة، لعظمة مملكة نعمة السكُون الكونية الكامنة، وسَعَةِ مَقدِرة مِنحة التمكِين الخلقيتين المُذهِلتين… إذْ أنَّ جُلّ مَا وَصلت اليه جُهدًا مُسدّدًا، ومَا انتهت عِنده مَسعىً مُؤيّدًا؛ ومَا اتّصلت به، بمَفازةٍ بَشريّة مَشهُودَةٍ؛ وعَطيّةٍ رَبّانيّة مَوعُودَة، مِن أنجح مَسيرات إنجازات؛ وأنجع خُطط ابتكارات؛ وكَامل فُنون إبداعات عَبقرِية وأَلمعِيّة قُدرَة العقل البشري، المُستنِير المُسيّر؛ ودَيدن بَراعة إتقانه الطموح المدبّر- عِلمًا، وحِكمةً، ومَهارةً، وإِبداعًا… بقُدرة وتوفيق خَالق الخالق، ومُدبّر الأمر؛ بعُموم هَمسات التسليم، ومُجمَل هُتافات تَودّد الإذعان؛ ووَقفات تحبّب شخص العبد الذليل المُعترف المُستكين، بصِدق مُناداته الموضوعية، ورِفق مُناجاته الإلهية، لعظمة وتجلّة طوفان مَلكُوت كُنه المنهج الربّاني القائم، تعظيمًا وإكبارًا… وفي مَتن دَفتي آي الذّكر الحكيم، يُوجَّه وَارِد صِدقُ الخطابِ الإلهي إلى لَباب ذُروة العقل البشري؛ ويُقنِّن نصّه، ويُحجِّم جَوهر نهاية عِلمه الضحل الضئيل: (وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العِلمِ إلاَّ قَلِيلاً)…!
2. ويَتصدّر ظِلّ الوُجود المادي للإنسان، خليفة الله في أرضه، دِعامة أسَاس، في بُحبُوحة السعي الدؤوب، وإكرامِيّة التمكِين المَكين، في شتّى أطراف كَوكَب أرض خَالِقه ومُوجِده، الواسع الخلّاق العلِيم…! وتُساوِره حِينًا بعد حِينٍ، رَغبة مُرَغّبَة، في النفُوذ الميسّر، والاختراق المظفّر، في إشراقة صَدارة دَوائر، وإطلالة جواهر جَنبات أَقطار السماوات الطباق؛ والتعمير الواسع، ذِي الأوتاد، في متّسع مَناكِب وفسيح طُرُق الأَرضُون الواسِعة… وقد قال، عزّ مَن قائل، مُخاطبًا الثقلين: (يَا مَعشَرَ الجِنِّ والإِنسِ إِنِ استَطَعتُم أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقطَارِ السَّماوَاتِ والأَرضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إَلًَا بَسُلطَانٍ).
3. ويَتفوّق شَخص مَقام الإنسان باعتبار مَشهود؛ وتَعلو رُتبة مَكانته بامتياز مَلحوظ، على شائع صُفوف ورُؤوس الأشهاد، مِن سَائر المخلوقات الربانية، بمِنحةِ فائق مَلكة عقله الرصِين المُدبّر المُرتّب كَرامة؛ والمؤيد إِنعامًا، بقدرةِ عَظمة الواحد الأحد، التي جَعلها- ربّ العزّة والجلال- عَطاءَ مِنحةٍ سخيةٍ، وهِبةَ حَاضنةٍ إلهيةٍ، لمقام بوابة مقام حِصن عقله الحصِين، وأَنالَها إيّاه- شرفًا وتَكِرمةً- مِن مَنيع حِرز رِبقة إحكامِ رُتبةِ التمكِين، ومَحكَم مَعْقِل إبرامِ خُلّةِ التثمِين، مَا لَم يُعطِهما؛ أو يُرفد مِثلهما قَطٍ، لأحدٍ مُشابه مِن شَتّى أَصناف، ومُختلف أجناس مَخلوقاتة الجمّة، قاطِبة!
4. وتتقدّم مَلكة صِلة العَقل الرصِين، بمعيّة أُختها التوأم، بَوابة زِناد الفِكر المكِين، بإظهار وأشهار مِفتاح زَاد الإدراك الرزِين؛ لتتظافَر وتتآزَر الصلَتان المُتلازِمتان معًا، في قبوِ خَندقٍ واحِدٍ، مِن أَسمى مِنحةٍ إلهيةٍ، وأنمى تَقدِمَةٍ ربانيةٍ، سَاميتين عَظمتين، فسُبحان الله الخلّاق العظِيم… ولله في سَائر خَلقة شُؤون!
5. ولَعَلّ اللسان الحارِس ‘المأجُور” لبَوابة الفكر، وسَريرة الوِجدان، ومُحرّك قَدح شَرارة المجاس العقلية؛ إذا أُحكِمت واستُخدِمت وَظيفة كِفاحة المُسدّد؛ واستُعمِلت حِرفة نِضاله المؤيّد، في صَالح رُقي، وتَقدّم، ورَفاهيّة البشرية جَمعاء؛ لِقدح وفَتح زِناد مَلكة الفكر المتجدّد المُنتِج؛ وحَفز عَتاد داخِلة التدبّر المُثمِر… وفي وضَح أسمى فَساحة؛ وعُرض أندى وَساعة رُقعة هَذا الكوكب، المُترامِي الأَطراف، مِصداقًا لقول الحق، تبارك وتعالى: (إٍنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).
6. وهُناك مِن نافِلةِ القَولِ السائد، ونفحَةِ الحَديثِ المتردّد، أنّنا نُحرّك و”نَلوك” ألسنتِنا المهاذِير اسرافًا مُتكرّرًا، أكثر ممّا نستخدم نعمة حَاسّة سَمعِنا، تأمّلًا وتدبَرًا… إذْ يُعدّ اللسان البوابة الرئيسة في تخزين المعلومات، وتَبويبها، في داخِلة عَقلنا الباطِن؛ وإقحامِها عُنوةً في أسفل قاع الذاكرة، وَسط مُعترك مَحافِل مَا نشهده كُلّ يومٍ مِن سَلاسل أحداثٍ، مَسموعةٍ، ووَقائع مَرئيةٍ… ومِثل هذا الأسلوب المتّبَع، ودَيدن ذلك النهج المُمارَس؛ تبدو لشاهد حالِهما شاهِر عُيوبِهما السلبية الظاهرة: تعطِيل، وتوقِيف، وإفساد مِنهاج استيعاب، وفهم، واستظهار، وتدبّر، وتبصّر، وتروّي حِزم حُبلى مِن فيض أسفاط أجوَد وأجدَى المعلومات ذات الفائدة النفعيّة، خاصّة عندما نَشرع باستدعاء ذاتي لقَوالبها الخام؛ ونُمرّرها، تَبصِرةً وإفهامًا، على خط “فلترة” صِهاء صَفحة العقل الواعي؛ لنَزداد حِنكةً؛ ونُربِي عُقولنا حِكمةً وثَراءً فِكريًا؛ ونُربِّي دَواخل أنفسنا وسَرائر ذَواتتا حُسن سِيرةٍ، وأجلّ مَسِيرةٍ… فلنستمِع، بآذاننا الصاغِية المنصِتة، ونصِيخ مَليًا، أكثر مِما نتكلم؛ ونَستمع مرّةً ثانيةً بإصاخة، أكثر مِما نأكل ونشرب؛ ونستمع كرّة ثالثةُ بإصغاء، أكثر مما نلهُو ونَطرَب… فالاستماع المُنصِت، ومُرافقه وحَليفه؛ ورِدء سِره: الصمت المتأمّل، هما بوّابا الفِكر النيّر، وسَادِنا مَخزن العِلم النافِع، وحَاجِبا مَدخل جَادّة سَمت السكون؛ وطريق مُعترَك التواصل الاجتماعي الشامِل، مَن جَانب شَقّهما الأوسع، بين- شُعوب وقَبائل- بَني البشر، قاطبة!