رأيتُ على إحدى قنوات التلفاز العربيَّة لعبةً، يشارك فيها مشاركون ويربحون أموالًا وحوافز قيِّمة إذا صحت إجابتهم. هذه اللعبة شاهدتها عام 1980م في أمريكا، غير أن النسخة الأمريكية أجمل إخراجًا وإدارة من النسخة العربيَّة، بعد عشراتِ السنوات وبعد التقدم التقني الهائل في أكثر من 40 سنة!
شاهدٌ آخر، ذلك المهندس الشابّ الذي عمل معي وقدَّم لي عدة أوراق علميَّة على أنها من نتاجه الخالص، فإذا بها منقولة بالنقطة والفاصلة من أوراق بحوثٍ قدمها مهندسون آخرون.
في كلتا الحالتين، اللعبة وأوراق البحث، كان يمكن استحداث لعبةٍ أَجمل وبحوث أكثر قيمة، بقليلٍ من الجهد الإضافي. لكن سهولة النسخ والتقاعس عن الإبداع أنتج لعبةً سيئة وبحوثًا مكررة!
لا أدري إذا ما كان الإبداع يدرس حاليًّا في أيّ من المدارس! حصة يطلق فيها الطلاب عنان خيالهم وقدراتهم الإبداعيَّة والعمل فرادى ومجموعات. ومن ثم تحويل بعض هذه الرؤى والأفكار إلى واقعٍ ومنتج. بعد عدة أشهر سوف نكتشف مبدعًا -أو عدة مبدعين- في تصميم مركبات حديثة، ثانيًا في ابتكار أنظمة اتصالات، وثالثًا ورابعًا في شتى العلوم والفنون!
حصة يتعرف فيها الطلاب على مخترعين ومبتكرين ودراسة تاريخ إنجازاتهم، ومن ثمّ وضع تصور زمني بعيد ومتوسط المدى لابتكارات تعتمد على -تنبؤات مستقبلية- تنظر حاجة المجتمعات في المواصلات والتواصل والاقتصاد والمكننة وغير ذلك من سمات الحياة الحديثة.
قصّ، لصق، نسخ وتقليد، أفعال لا تشجع على الإبداع. فيما؛ إبتكار، إبداع، وتطوير أفكار تحث على الإبداع! {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، جنس الإنسان، لا الإنسان الأوروبيّ أو الأمريكي، بل مطلق الإنسان، وعلمه جميع العلوم، لا بعضها!
عالمنا بحاجةٍ ماسة إلى المزيدِ والمزيد من الإبداع لحل المشكلات الصعبة التي تواجهنا. ليس لدى المبدعين إجابات وحل لكلّ ما استعصى من المشكلات، لكنهم عادةً ما يتساءلون عن الوضع الراهن ويفكرون في البدائلِ والتحسينات، ومن ثمَّ يكتشفون ويبتكرون الإجابات الممكنة. يسألون أسئلةً أفضل، ولديهم تفاؤل بإيجاد الحلول المناسبة! وعندما يقترن الإبداع بما ينفع الإنسان، فلا بدّ من وجود قوة من أجل الخير.
القدرة على “الإبداع” واحدة من المهارات التي تقيم المؤسسات والشركات العالميَّة موظفيها على أساسها، لذلك نجد هذه الشركات تشجع موظفيها للحصول على براءة اختراع، وتعطيهم حوافزَ إضافية إذا ما قاموا بذلك. طلاب وطالبات اليوم هم موظفو الغد، ومن الضرورة بمكان أن يكونَ للإبداع مساحة تناسب مراحلهم العمرية، من سنوات الطفولة وحتى نهاية المقررات الدراسية.