من الأوجام.. فاطمة آل سنان تشربت شغف القراءة من والدتها.. ودعوة زفاف أطلقت فكرة مكتبتها بـ1300 عنوان تتحدث بلغتين

قبل سنين معدودة، وفي يومٍ من أيامها المحظوظة تلقت “فاطمة منصور عبدالله آل سنان” بطاقة دعوة زواج، مذيلة بالعبارة والتوليفة الحميمية والدافئة جدًا التي تحبها كثيرًا Home Sweet Home.

ابتسمت لتلك الدعوة ودعت لأصحابها بالسعادة والخيرات، لكن تلك الابتسامة أوقفتها ابنتها الصغيرة التي كانت تجلس بجانبها بصرخة عفوية حاضرة متسائلة ومستنكرة بقوة: “ماما لماذا لا يسمح بحضور الصغار؟” فما كان منها إلا أن بادرتها بابتسامة أمومية وقالت: “لكِ النصيب الأكبر من الفرح والانشراح يا صغيرتي، فمشروعنا القادم سيأخذ بحقك وبحق جميع الصغار”.

من بطاقة الدعوة تلك، تمخضت الفكرة لابنة الأوجام الشغوفة بالكتب والقراءة التي ورثتها عن أبيها؛ فأنجبت مكتبتها التي حملت اسم Book Sweet Book.

شغف الطفولة
رمت عائلة “السنان” بذور الشغف القرائي والمكتبي في نفس ابنتها فاطمة منذ الصغر، فقد تنفست رائحة أوراق الكتب كأمها الراحلة منذ أن كانت طفلة صغيرة، وورثت منها شغفها باقتناء الكتب وشرائها، فكانت فاطمة ابنة الأوجام رفيقة والدتها في جولاتها المكتبية والكتبية في جميع الدول التي زارتاها، وقد بلغ من فرط اهتمام والدتها بالقراءة أنها غالبًا ما كانت تجعل باب الميزانية لشراء الكتب في المعارض مفتوحًا بلا تقييد، كما كانت والدتها -رحمها الله- تملك مكتبة داخلية خاصة لبيع الكتب، مختلفة عن مكتبتهم المنزلية.

وورث آخر باقٍ
ومن أبيها استفادت “السنان” مما كان يوفره لعائلته من الكتب والموسوعات العلمية الكثيرة جدًا والنادرة فعليًا، وكتب الحيوانات التي كانت تبهرها وتشدها باللغات المختلفة غير لغة الضاد، فاحتفظت بها للآن، وكذلك الكتب الإلكترونية التي كانت -فيما مضى- على أقراص مدمجة يقرؤونها ويتعلمونها عبر الحاسوب.

لقد كان الأمر في منزلهم أشبه ما يكون بمنهج تربوي مخطط له، فرسخ في ذاكرتها، حتى تمنت تلك الطفلة -ولفرط شغفها بالقراءة- أن تحط بجوارهم مكتبة عالمية بها كل لغات العالم وأشكال الكتب وخصوصًا كتب “بوب أب” التي كانت تعشقها وتحتفظ بها تحت وسادتها، والكتب المبروزة والمنقوشة والمنمنة المبهرة.

كيف تحقق الحلم؟
عن ذلك الحلم الطفولي في إنشاء مكتبة، تحدثت السنان لـ«القطيف اليوم»: “أكملت تعليمي وحصلت على بكالوريوس غذاء وتغذية، وعملت اختصاصية تغذية في مستشفى أسطون سابقًا “جاما حاليًا” لكنني استقلت من عملي بعد أن منّ الله علي بصغاري، فأودعتهم ما أودعني إياه أهلي من حب القراءة والكتب، فغدوا يتنفسون عوالم القصص والحكايات والكتب”.

وتتابع: “خلال تواصلي مع المحيطات بي، كانت هناك أمهات كُثر وقريبات وصديقات أكثر يطلبن مني توصيات واقتراحات في كيفية اختيار الكتب لصغارهن أو طلابهن، وكان هذا الأمر يسعدني كثيرًا، مما شجعني على أن تكون مكتبتنا المرجع الأسهل لهن ولصغار المنطقة أيضًا، أضف إلى ذلك أيضًا مشاركة صغاري في المسابقات والمحافل الثقافية والقرائية، لقد حمسني هذا كثيرًا، كي ينقلن تجاربهن عبر مكتبة مخصصة لأعمارهن وأترابهن تكون على أرض الواقع.

هواجس الأمومة
ألقت المسؤولية الاجتماعية وهواجس الأمومة والهم الثقافي بثقلها على “السنان” تجاه الشريحة الأكبر والأهم في المجتمع، فآباء وأمهات ومربون ومهتمون لهم تأثيرهم وأثرهم على ثقافة الطفل الذي اهتمت بشأنه، لأنه الاستثمار الأعلى قيمة في الحياة، وعندما حملت بابنتها ازدادت رغبتها في إحاطتها بهذا العالم المدهش.

لكن كل هذا بقي في أرفف الذاكرة حتى جاء وقت انقداح وانبثاق فكرة أن ترى المكتبة مكانها ونورها الحقيقي في المجتمع الآجامي، وما إن ظهرت الفكرة حتى ربت زوجها على كتفها داعمًا ومؤيدًا، وبدعاء والدها وتشجيع الأحبة والأهل والأصدقاء استطاعت “السنان” أن ترى الدهشة التي كانت تنتظرها في عيون صغارها وصغار مرتادي المكتبة عند قراءة الكتاب الجيد.

النور
في عام 2018م كانت الفكرة تدور في خلد “السنان” لافتتاح مكتبتها المنشودة، لكن نور الفكرة لم يضأ فعليًا ورسميًا إلا بتاريخ 9 ربيع الأول 1443هـ، الموافق 16 أكتوبر 2021م، وقد كانت الأفضلية أن يكون قريبًا من منزلها، وأن يكون داخل الأوجام لخلوها والمنطقة من المكتبات المتخصصة في كتب الأطفال واليافعين ثنائية اللغة، وليغطي كامل المنطقة أيضًا، لكن الأمر لم يحصل كما شاءت، وبعد البحث والتقصي وجدت المكان الذي تعتقد أنه ملائم للفترة الحالية، فلابد من بداية أي مشروع وتجربة جديدة مواجهة العقبات والعراقيل والخوف وهذا طبيعي جدًا، لكنها لابد وأن تقهر بالخوض في غمرة التجربة الذاتية بعد التوكل على الله والأخذ بالأسباب طالما يجد الإنسان ذاته في المشروع الذي اختاره وأراد الانطلاق منه وفيه.

من الطفولة للصبا
توفرت على أرفف مكتبة “السنان” منذ بداية افتتاح المكتبة ما يفوق 1300 عنوان حتى الآن، وتحوي جميع ما قد يخطر على مخيلة محبي الكتب، وهي تحاول جاهدة توفير ما يطلبه الأصدقاء من عناوين يرغبون في اقتنائها، والكتب المتوفرة على اختلافها مستهدفة لفئة الأطفال منذ صغرهم وحتى سن 16 تقريبًا، وأضافت إليها بعض الكتب المميزة للمربين والمهتمين بأدب الطفل.

واختارت “السنان” الكتب لمكتبتها بكل دقة وعناية شديدة وأغلب هذه الكتب بل أكثرها موجودة لدى صغارها في مكتبتهم المنزلية، وتخدم الكتب المتوفرة الأطفال المتحدثين باللغة العربية، والمجيدين للغة الانجليزية أيضا، فهي حريصة على تعليم صغارها بأن من أراد أن يبدع ابتداء فلابد أن يبدع في لغته الأم وينطلق منها للغات الأخرى، فكيف إذا كانت العربية منطلقه؟

سر صغير
تهمس “السنان” بسرها الصغير الذي ربما يكون قادها لاختيار كتب مكتبتها باللغتين؛ العربية والإنجليزية، فعند زيارتها لأي دولة تحاول البحث عن الكتب والقصص أو حتى الأساطير المشهورة لديهم وتخص ثقافتهم وتراثهم، وتجد في ذلك متعة منقطعة النظير.

تقول: “كتب الأطفال في عالمنا العربي ترجمت في أواخر القرن التاسع عشر فقط على الأرجح، مما يوصلنا لنتيجة أن أدب الأطفال قد يعد مستحدثًا في عالمنا العربي عنه في أوروبا والعالم، فلم تكن في ذلك الوقت كتب مخصصة بعينها للأطفال بل كانوا يقرؤون كتب الكبار التعليمية والتربوية إلى أن ظهرت كتب (Newbery John) في بريطانيا الناشر الأول لفئة الأطفال بوصفه المؤسس لخط نشر مستقل لهذه الفئة الصغيرة”.

وتمضي في حديثها قائلة: “لذا لا بد من الاستفادة من بدايات نشوء الأدب في العالم أجمع وطريقة تطوره من الحكايات الشفوية لشكل الكتب الآن، مع مراعاة الحاجات والفروق النفسية والعاطفية والفكرية والجسمانية وكذلك الدينية”.

وتضيف: “إن التوسع واقتناء كتب من ثقافات مختلفة تزيل النمطية في عقول صغارنا وتجعل نظرتهم وأفقهم متسعًا وممتدًا جدًا لتقبل الاختلاف والتعايش معه واحترام وجهات نظر من يختلفون عنهم وتطوير الذائقة الأدبية والفنية لديهم”.

دور النشر
حرصت “السنان” على الاختيار الدقيق لدور النشر التي اعتمدتها في الكتب التي وفرتها بالمكتبة، فقد انتقت دور النشر العربية المميزة جدًا ذات البصمة في عالمنا العربي وفي أدب الطفل، وكذلك بالنسبة لدور النشر العالمية أو الأجنبية العالية الجودة من حيث المؤلفين باختلاف مشاربهم وخلفياتهم الثقافية والبيئية بأفكارهم الخلاقة الجديدة منها والقديمة ورسامي القصص المبدعين والإخراج الفني البديع والجرأة المختلفة لكتبها.

أدوات خاصة
ترى “السنان” في القراءة، والقراءة كثيرًا جدًا جدًا الدعامة واللبنة الأولى لكل من يرغب في إنشاء مكتبة خاصة للأطفال، إضافة إلى توفر الرغبة لديه في استكشاف كل ما هو جديد وعدم الوقوف والتوقف عند نقطة ما، والبقاء مطلعًا على كل ما ينتج ويصدر في عالم الطفل، مع ضرورة الالتفات وبقوة لما قد يُروج من بعض الأفكار الخطيرة والمنحرفة في بعض الكتب الأجنبية.

وأخرى مكملة
وينبغي -في رأيها- الحرص على حضور الدورات المتخصصة في كل ما يتعلق بالأدب بشكل عام وأدب الطفل بشكل خاص والانخراط فيها، فالأمومة من وجهة نظرها بكل هواجسها تجعل الآباء في معترك الحياة يبحثون عن الأفضل لصغارهم، وليس أفضل من أن يجدونهم متحلقين بأعين مندهشة حول كتاب يتصفحونه بين أيديهم ويثيرون التساؤلات حوله لعنان السماء.

مكتبة عامة
تتطلع “السنان” بنظرة مستقبلية تطويرية لإنشاء مكتبة عامة خاصة للقراءة والاستعارة تكون وجهة لكل محبي القراءة والكتب والمكتبات في المنطقة، فالاستفادة مع من تلتقيهم وتلاقيهم واقعيًا أو افتراضيًا يكملان النقص الموجود لدى الآخر، ومما أثلج صدرها مؤخرًا وخلال الأشهر المنصرمة تلقيها دعوات من أحد المستشفيات الحكومية وإحدى الجمعيات الخيرية للمشاركة في مشروعها، كما شاركت في معارض للكتب لمراكز تعليمية ومدارس عالمية كشراكة مجتمعية، وقد بدأ العمل والإعداد لتطبيق البرامج القرائية والمكتبية داخل المكتبة وخارجها.

حصاد
نالت “السنان” حصاد بذورها لشغف القراءة في نفوس أبنائها، ففي القريب العاجل ستنطلق -بإذنه تعالى- عضوية المكتبة مع مشاركة صغيرتها زينب الناصر، الفائزة بلقب قارئ العام 2022م على مستوى المملكة العربية السعودية عن فئة المرحلة الابتدائية، والمتوسطة في مسابقة أقرأ / إثراء في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي.

الحراك الثقافي
حينما تواصلت فاطمة مع كاتبة أمريكية لتوفير قصصها على أرفف مكتبتها، قالت لها: “أتمنى زيارتكم والمشاركة في فعالياتكم المدرسية والمكتبية؛ حيث إن السوق السعودي فعال وكبير جدًا والمثقفين لديكم كثر، كما أشكر وعيكم ومسؤوليتكم كوالدين ومربين ومؤسسي مكتبة تكون مخصصة للأطفال فقط، دعواتي لكم بالتوفيق والحظ الوفير”.

تعقب “السنان” على كلام تلك المؤلفة بقولها: “لقد تلمست من عبارتها حجم وتأثير الحراك الثقافي في المملكة وما شهدناه في الآونة الأخيرة وما يصلهم الآن بسهولة عبر وسائل التواصل المختلفة، فإذا شعر الوالدان بأهمية الكتاب في حياة أطفالهم بحيث أصبحوا يعتقدون أنه لا يقل أهمية عن الطعام والشراب، وصبروا صبرًا جميلًا جدًا في عالمنا الرقمي هذا، وحاولوا إبعاد أطفالهم عن المشتتات الإلكترونية والألعاب ما أمكن وتقنين ذلك، كل ذلك من شأنهِ أن يغير الكثير مما نعتقد صعوبته، أو تقبلنا وجوده على مضض”.




error: المحتوي محمي