ها نحن وصلنا إلى نهاية شهر آب/أغسطس “اللّهاب الذي يحرق المسمارَ في الباب!” بدأ أصحابُ الحقول والمزارع في القطيف وغيرها يعدّونَ أراضيهم ويحرثونَها لجولةٍ جديدة من العطاء.
الحياة والآخرة قائمتان على المعادلات والحجج الدقيقة؛ إعداد الأرض = الربح الوفير، الكسل والتأخير = الخسارة والفشل. معادلات تبعث الروح في الحياة وتعطي ثقةً بأن للكونِ ربّانًا وقائدًا مسؤولًا عنه يتولّى أمره، هو وحده يصنع هذه المعادلات، لأننا لا نستطيع صنعها! أما المعادلة التالية فهي أربح المعادلات:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}، تابَ + آمنَ + عملَ صالحًا = الجنة! إذا غصنا في وحل الشهوات والخطايا لن يكتب الله على جبيننَا “آيس لا رجاءَ له في توبة”، إذا حققنا الثلاثة متطلبات، فطريق التوبة سالك وتذكرةُ الركوب دون ثمن ما بقي في الإنسانِ نفسٌ يتردد.
من أجمل القربات اليقين في التوبة! ما أسعدنا وأبهَجنا بربِّنا الذي فتح أبوابًا للعاصين منا! {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. أوامر “فرمانات” صادرة من السلطة العليا – قل – فتحت الأبوابَ أمام المذنبين وأعطت الأملَ، بلهجةٍ مملوءة باللطفِ والمحبَّة. آية قال عنها الإمامُ عليّ (ع): “ما في القرآنِ آية أوسع من يا عباديَ الذين أسرفوا..”.
في هذه الآونة كثرت اعترافاتُ الشبّان والشابّات في العلن بأشياء خطيرة من إلحادٍ وكفر! وإن كان خطأً جسيمًا الإعلان والتصريح بالمعاصي الكبيرة، إلا أن وصف البارئ -عزّ وجلّ- نفسه بالغفورِ والرحيم، يبعث على الأمل، فلا مكانَ لأدنى شعورٍ باليأس وفقدان الأمل. كلمتَا الغفور والرحيم تعطيانِ الأمل بغفران -جميع- الذنوب.
هل أستطيع أن أعود؟ متى أعود؟ ما إجراءات ومستلزمات العودة؟ عد الآن، لا يلزمك أن تحمل في حقيبة العودة إلا وثيقة الاستغفار والعزم على عدم العود! عن رسول الله ﷺ: “إن الله غافر إلا من شردَ على اللهِ شرادَ البعيرِ على أهله!”.
ماذا لو تأخرتُ في العودة كثيرًا جدًّا؟ إنّ الإنسانَ في لحظات الاحتضار تنكشف عنه الحجب والأستار، فيرى ما كان عاجزًا أن يراه من قبل. من الطبيعيّ أن يندم، ويفر من معاصيه؛ سامحني يا رب، تبتُ الآن! ربما فات موعد إقلاع طائرة العودة { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
أعجب من العجب، كثرة الأحاديثِ والآيات الباعثة على الأمل وفتح باب العودة مهما كانت “الحوبة”! أعجب من هذا، عدّ القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب التي تستوجب العقاب! قيل للإمامِ عليّ (ع): “ما أكبر الكبائر؟ قال: الأمن من مكر الله والإياس (أي اليأس) من روحِ الله، والقنوط من رحمة الله”.