اختزل الكاتب “مصطفى كمال المزعل” تجربته في بلاد الابتعاث، بما تحمل من خبرات وتجارب حياتية علمية وعملية في باكورة إصداراته الأدبية “الفرصة الأخيرة.. تجربة قيادية ثقافية”، ودوّنها كتجربة حية؛ لتكون مرجعًا معرفيًا لكل طالب في بلاد المهجر يبحث عن التغيير وإثبات الذات والتعلم.
حضارات مختلفة
عرّف “المزعل” ثقافات الشعوب المختلفة وعاداتهم وتقاليدهم، في كتابه الذي يحتضن بين دفتيه 125 صفحة من القطع الوسط، وقسمه لفصلين؛ بدأ فصله الأول بتدوين تجربته الشخصية في العمل الطلابي والتطوعي بأمريكا، أما الفصل الآخر فضم 27 مقالًا ثقافيًا من وحي الغربة التي خاضها بين عامي 2017 – 2022م، مختارًا لها عدة عناوين منها؛ تعايش وانفتاح خارج الوطن، أشكال القوى، حوار الكنيسة، دار طفلك، نجحت العملية ومات الطبيب!، وعزيمة الكباتن.
أسلوب سلس
حمل ابن سيهات القراء إلى عالم مليء بآفاق المعلومات التي جمعها في خضم دراسته الأكاديمية بأسلوبه الكتابي الذي يتميز بالوضوح والسلاسة والتعامل الواعي، ولما لا فهو ذو خبرة بالوسط الاجتماعي الذي نهل طرق التعامل معه من مدينته ومهد ولادته، التي بلورت الكثير من القناعات منذ طفولته وصقلها مع الزمن.
رسالة الدكتوراه
استرجع كاتبنا مصطفى المزعل خلال حديثه لـ«القطيف اليوم»، بعضًا من تفاصيل تجربته المُثيرة، ورحلته التي تكللت بالحصول على دكتوراه إدارة التكنولوجية مؤخرًا من الولايات المتحدة الأمريكية، بعنوان: “رسالة بحثية تهدف لبناء نموذج لقياس أداء منظومة ريادة الأعمال”، والتي حصل قبلها على درجة ماجستير الإدارة الهندسية التكنولوجية، وسبقها كذلك حصوله على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية، بعد أن درس المراحل النظامية الثلاث في مدينته سيهات.
أول تجاربه في الكتابة
تعد كتاباته في مادة التعبير خلال فترة الطفولة والمدرسة، هي أول تجربة يتذكرها “المزعل” في الكتابة، أما خارج إطار المدرسة فقد بدأت بكتابة الأخبار والتقارير كمتطوع في عديد من المهرجانات والأنشطة المحلية الاجتماعية، والثقافية، والرياضية.
نشأته وشخصيته
تأثر “المزعل” بظروف نشأته التي أسهمت في خلق رؤيته الفكرية والأدبية بشكل كبير، إضافة إلى غرس حب القراءة فيه مُنذ الصغر بدءًا من مكتبة المنزل، وحضور الندوات والمحاضرات، بالإضافة إلى ممارسته العمل التطوعي والاجتماعي الذي كان له دور بارز في تكوين شخصيته الفكرية حتى المرحلة الثانوية، وبعد أن اتجه للدراسة الجامعية بالخارج، بدأ مرحلة أخرى ومختلفة في الدراسة الأكاديمية، ونمطًا آخر مختلفًا تمامًا من الأعمال والأنشطة التطوعية سواء في الحرم الجامعي أو خارجه.
شغف بالكتابة
ووسط ذلك انبثق شغفه بالكتابة، مع ما تشرّبه مسبقًا من مدارك في أجواء عائلية وتربية تشجع العلم والأدب، حيث كان لوالده الدور الأبرز في تشجيعه على القراءة والكتابة، وبالأخص أثناء دراسته في المرحلة الثانوية؛ إذ اقترح عليه تأليف كتاب عن مهارات النجاح والتفوق الدراسي.
وقرر في المرحلة المتوسطة والثانوية كتابة التقارير والأخبار، وبعدها تدرج اتجاهه في كتابة مقالات الرأي، ومؤخرًا كتابة مقالات تخصصية مرتبطة بمجاله الأكاديمي في موضوعات مختلفة كالتحول الرقمي، وإدارة التكنولوجيا، وريادة الأعمال.
وعن إقامته في الخارج للدراسة، يقول “المزعل”: “عقد من الزمان عشته في مدينة بورتلاند الأمريكية المختلفة تمامًا عن بيئة وطني، أسهم -بلا شك- في صياغة الكثير من الأفكار التي طرحتها في الكتاب، وكان أبرز ما ميز تجربتي في هذه المدينة هو التعايش وسط التعددية الثقافية والعرقية الواسعة، والذي كان له أثر في انعكاسها على أسلوبي في سرد الأحداث التي تضمنها الكتاب”.
كواليس كتابه الأول
وشق “المزعل” مشوار كواليس التفكير في تأليف كتابه الأول مع بداية ابتعاثه لدراسة مرحلة البكالوريوس، اختار وقتها التدوين وكتابة ما يشبه بالمذكرات كبداية للدخول إلى عالم التأليف، وتوزعت فترة الكتابة في الفترة ما بين بداية ابتعاثه لمرحلة البكالوريوس حتى إنهائه مرحلة الماجستير في عام 2019م، وبالرغم من عدم وجود كتاب معين لعب دورًا جوهريًا في تحفيزه للكتابة، لكن مجموعة الكتب التي قرأها والجو العام المحيط به، وخصوصًا العائلي، والدائرة المقربة من الأصدقاء، كلها كانت عوامل خارجية محفزة.
وبدأ توزيع محتوى أول إصدار له بين فصلي الكتاب، دوّن في الفصل الأول تجربته الشخصية في الابتعاث وبالأخص في العمل الطلابي القيادي ابتداء من مرحلة دراسة اللغة، وحتى إنهاء مرحلة الماجستير، فهو فصل نابع من تجربة ذكر فيها عديدًا من القصص والتجارب الخاصة.
وعلق عما دارت حوله فصول كتابه، قائلًا: “يهدف الفصل الأول لمناقشة بعض التحديات التي يواجهها الشباب كاختيار التخصص ورسالتهم في الحياة، وتقديم نبذة عما يمكن للطالب الجامعي ممارسته من أنشطة لتنمية وصقل مهاراته القيادية التي تهيئه ليكون قائدا في وطنه، أما الفصل الثاني فهو يحوي مقالات ثقافية متفرقة كتبها أثناء فترة الابتعاث”.
وعالج في كتابه عدة موضوعات، منها: “اختيار التخصص ومجال الحياة، الاهتمام بالشأن العام، تنظيم العمل التطوعي والخيري، التعايش والانفتاح على مختلف الثقافات، ثقافة الحوار، والإنجاز وتحقيق الأهداف الكبرى”.
مُلهمين ومؤثرين
وحول أبرز الشخصيات المهمة المؤثرة التي لعبت دورًا مباشرًا لتحفيزه في بداية نشر مقالاته، أجاب: “هو الدكتور توفيق السيف، فكان يحثني على الكتابة اليومية المستمرة دون انقطاع، وكان أيضا ممن عزز لي فكرة تدوين التجارب الشخصية كفكرة لكتابي الأول، ناهيك عن تدوين الأفكار بشكل مستمر، مع غياب دخوله غمار أي منافسة في مجال الكتابة”.
وعن مُلهميه في مجال الكتابة، أضاف أنه وجد نفسه بين عدة كتب تأثر بها، وأبرزها كتاب: “حياة في الإدارة” للمرحوم الدكتور غازي القصيبي، حيث يرى أن القصيبي جمع بين الكفاءة العملية التنفيذية والقيادية الدبلوماسية والثقافة والكتابة -على حد قوله- فوجد كتابه ملهمًا له، كونه يحب دمج التجربة العملية بالمادة العلمية مثلما قدم في “الفرصة الأخيرة” خلاصة تجارب عملية، إلا أنه يعده تمهيدًا لكتابات قادمة تدمج التجربة بالبحث الأكاديمي؛ لتقدم عصارة ما يمكن تقديمه في مجال القيادة والتنمية بشكل عام”.
كتابات متخصصة
ويسعى الكاتب إلى البحث في عدة موضوعات فيها والكتابة عنها، لعل أبرزها ما يندرج تحت مظلة موضوعات القيادة والإدارة، وبخاصة كيفية صنع وتهيئة القادة في شتى القطاعات، وأهمها بالنسبة له بحكم تخصصه في قطاع إدارة التكنولوجيا، معتبرًا التطور التقني سريعًا ومذهلًا في هذا العصر ويجب أن يواكبه تطور في إدارة هذه التقنية وتطويعها لما يخدم الإنسانية.
ووجد أن توجهه في الكتابة بعيدًا عن الكتابة الأدبية، مع ما يطمح له مستقبلا أن يكون أقرب للكتابة النابعة من البحوث الأكاديمية، وتقديم مادة رصينة قريبة من القارئ العام، وذلك للإسهام في فهم مجالات القيادة والإدارة وريادة الأعمال، وبتركيز أكبر للبحث في مجال إدارة التكنولوجيا وتطويعها لخدمة الإنسان بدلًا من التحكم فيه.
صعوبات
وفي خضم ذلك برزت صعوبات المشروع وغيره من المشروعات الجديدة، وهي الانضباط والاستمرارية، إلا أنه استطاع تجاوزها بإصرار.
رسالة وطموح
ويطمح “المزعل” في مجال الكتابة أن يكون له أثر في تقدم وطنه بشكل خاص في مجال الإدارة التكنولوجية والرقمية وصنع القادة في هذا المجال، وأن يسهم نشاطه البحثي في تغذية المحتوى العلمي الأكاديمي.
وحمل على عاتقه رسالة خاصة يود إيصالها من خلال كتابه “الفرصة الأخيرة”، وهي أولًا: تسليط الضوء على أهمية المرحلة الجامعية في تكوين وشخصية الفرد وبنائها، وصقل مهاراته للدخول في معترك الحياة وبدء المرحلة المهنية بعد ذلك.
وثانيًا: تقديم تجربة عملية واقعية خاضها ويخوضها غيره من الشباب خلال الدراسة في الخارج بشكل خاص، وعبر هذه التجربة -بلا شك- دروس عديدة تعلمها، أملًا في نشرها وإيصال خلاصة التجارب للقارئ بشكل عام، وإعطاء نبذة وتمهيد للقارئ الشاب المتجه للدراسة الجامعية قريبًا، مع سعيه أيضًا للتأكيد على فكرة إعداد القادة عبر العمل الطلابي الجامعي، وهذه الأنشطة الطلابية التي نضجت بشكل كبير في الجامعات الأمريكية مقارنة بوضعها في جامعاتنا العربية، وهو ما نحتاج لتعزيزه حتى تصبح لدينا بيئة ممهَّدة لصُنع القادة وإعدادهم في إطار آمن كالحرم الجامعي.
اهتمامات أخرى
وخلال الحديث معه، برزت بين ثنايا حواره اهتماماته الأخرى، وعلى رأسها حبه للقراءة في مجالات القيادة ومهارات التواصل، وإدارة الأعمال، والاجتماع الديني والمذكرات، والسير الذاتية.
كما أنه يؤمن بالمدى الذي تصقل فيه الكتابة شخصية الفرد وتؤثر فيه خاصة في زمن الألعاب الإلكترونية والانفتاح على قنوات التواصل، كونها تدفع للقراءة، والعكس كذلك، معقبًا: “هاتان المهارتان توسّعان آفاق الإنسان، وتطوران إمكانياته العقلية وفهمه الأمور من حوله، كما أن الكتابة تنظم الأفكار وتوثق العلوم، وإن كانت وسائل نشر الثقافة كثيرة ومتعددة إلا أن الكتابة تترك أعمق الأثر وأدومه، كما أنها أفضل توثيق للعلوم على المدى الطويل”.
واختتم حديثه، بتوجيهه الشكر لكل من حفزه بشكل أو بآخر للكتابة، وخص بالشكر والده الذي كان أول من حفزه للكتابة، والدكتور توفيق السيف الذي كان أول من شجعه على النشر، كما شكرنا على الاستضافة والحوار.