شاءت الأقدارُ أن يكون الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) مريضًا في مطلع سنة 61 هجرية، وكان ذلك سببًا في نجاته وامتداد حياته حتى وفاته في الخامس والعشرين من شهر محرم، 95 هجرية؛ ما يعني أنه عاشَ نحو 57 سنة هجرية. ومهما يكن نوع مرض الإمام علي بن الحسين فإنه على ما يبدو لم يدم مدة طويلة – عدّة أيام – وبعدها كان نشطًا فاعلًا قائمًا، عَبَرَ أقسى فترات التاريخ الإسلامي صعوبةً وشدَّة في اضطراب الأمواج!
– لم يكن مريضًا، فهو الذي ترك أكبر إرث روحيّ مكتوب، يقرأه ويعشقه كل أهل الملل والديانات، أدعية ومناجاة وحقوق إنسانية وغيرها. تراثًا يقرأه محبوه ومحبو الله في أعقاب صلواتهم وفي كل يوم من أيام الأسبوع وفي المناسبات الدينية.
-لم يكن مريضًا، فهو حج مرات وفي إحدى حجّاته، حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر علی استلام الحجر من الزحام. فنُصب له منبرًا فجلس علیه وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين وعلیه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم رائحةً، بين عينيه سجّادة، فجعل يطوف، فإذا بلغ إلی موضع الحجر تنحّى الناسُ حتّى يستلم الحجر هيبةً له. فقال شاميّ: منْ هذا يا أَميرَ المؤمنين؟!
فنكره هشام وقال: لاَ أَعْرِفُهُ؛ لئلّا يرغب فيه أهلُ الشام. فقال الشاعر الفرزدق وكان حاضرًا: لكنّي أنا أعرفه! فقال الرجل الشاميّ: مَن هو يا أبا فراس؟! فأنشأ قصيدته المشهورة ومطلعها:
يَا سَائِلي: أَيْنَ حَلَّ الجُودُ وَالكَرَمُ
عِنْدِي بَـيَانٌ إذَا طُلاَّبُهُ قَدِمُوا
– لم يكن مريضًا، فهو كان يخرج في الليلةِ الظلماء، فيحمل الجرابَ على ظهره حتى يأتي بابًا بابًا، فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرًا لئلَّا يعرفه. ذكر التاريخ أنه كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل!
كيف يكون مريضًا؟ وهو الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف.
له ألقاب عدة، ومنها: زين العابدين، سيد العابدين، ذُو الثفنات، والسجاد.
في هذه النبذة البسيطة -المختصرة- من أفعال الإمام علي بن الحسين عليه السلام، رغبتُ ألا يلتبس الأمر إذا قال أحدنا: مريض كربلاء وغير ذلك من أوصاف العلل بأن عليًّا السجاد عليه السلام، كان مقعدًا، عليلًا، مريضًا! بل هو كان متحركًا نشطًا، وفاعلًا بصورة استثنائية، بلحاظ ما جرى له ولأهله في شهر محرم سنة 61 هجرية، وما جرى عليه من ذيول ذلك الحدث الضخم المفجع. ثمّ ما تلا ذلك الحدث من أحداث من السهل جدَّا – ومن المفيد – للقارئ الكريم تتبعها ومعرفتها!