ألا قاتل اللهُ الجهلَ!

اعتدتُ منذ سنوات كتابة الخواطر اليومية. تكون الفكرة في رأسي قبل كتابتها، ثم أكتبها وأتركهَا تبرد قليلًا! سبحان الله، كثيرًا ما يحدث أن قبل دقائق من إرسال الخاطرة للناشر تحطّ في رأسي فكرةٌ مختلفةٌ تمامًا، وهي التي أكتبها وأشاركهَا القرَّاء الكرام!

خواطر نفسيَّة، تتغير وتتبدل، لا يمكن تفسيرها إلا أنها دعوة لكي يتفكر الإنسانُ في نفسه ويعرف وجودَ الله في داخله! الله الذي يحميه ويحفظه، يرتب له حياته ويوضّبها في أحسنِ حال!

أقدم دعوةً – للشبَّان والشابَّات – الذينَ يَظهرون بين فترةٍ وأخرى – دون أطروحةٍ فكرية: أنا ألحدت، أنا لا أعترف بوجود إله، أنا علمانيّ، أنا لا دينيّ، أن يشرحوا هذه الظواهر النفسية البسيطة في حياتنا، نتعرض لها كلّ حين، أم تراهم {لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}؟ لا تدري أتضحك أم تبكي، وكأن الديانات ملابس ينزعها صاحبها متى شاءَ ومتى أراد!

القرّاء الكرام، لا بدّ أنكم أيضًا تحصل لكم عوارض تغيير الرأي في لحظات التنفيذ، وكأنما الله سبحانه يريد أن يرينا قدرته في كلّ شيء وأنه صاحب القرار الأخير. في اللحظات الأخيرة؛ نذهب في طريقٍ غير الذي خططنا الذهاب فيه، نسافر إلى بلدٍ غير الذي عزمنا على السفر له، نتزوج شخصًا غير الذي أحببناه، وهكذا دواليك من تغيير الرأي في اللحظات الأخيرة!

روي أن رجلًا قام إلى الإمام عليّ (عليه السلام) فقال: يا أميرَ المؤمنين بماذا عرفتَ ربك؟ قال: “بفسخِ العزائم ونقضِ الهمم، لما هممتُ فحيلَ بيني وبين همّي، وعزمتُ فخالف القضاءُ عزمي، علمتُ أن المدبّر غيري”. في شرح كتاب نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي قال: هذا أحد الطّرق إلى‏ معرفة الباري سبحانه، وهو أن يعزم الإنسانُ على‏ أمرٍ ويصمّم رأيه عليه، ثمّ لا يلبث أن يخطر اللَّه تعالى‏ بباله خاطرًا صارفًا له عن ذلك الفعل ولم يكن فى حسابه، أي لولا أنّ فى الوجودِ ذاتًا مدبّرة لهذا العالم لما خطرت الخواطرُ الّتى لم تكن محتسبة.

{وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}؟ لا تذهبوا بعيدًا، أنتم أعجوبة عالم الوجود. كلّ ما في العالم الكبير والبعيد فيكم، المصانع والمعامل والأجهزة الدقيقة في أجسامكم، من صنعها؟ أليسَ هو الله {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ}؟!

ماذا يحصل إذا عددنا الجهل معرفة؟! لا يكون بيننا وبين الحمقى الذين يسكنون في الجهلِ فارقًا، يتخيلون أنفسهم حكماءَ ومتعلمين، يتجولون ويدورون بطرقٍ ملتوية، مثلهم مثل الأعمى يقوده أعمى!



error: المحتوي محمي