فيديو قصير، لا نعرف ماذا يعكس بالتحديد، بطله واحد من عوام المجتمع سواء كان ذكرًا أم أنثى، ليس واحدًا من تلك الشخصيات المشهورة سابقًا، ولم يكن يشار له بالبنان قبل ذلك، فقط خالف عرف المجتمع، وكسر حواجز عاداته وتقاليده، وربما قرر أن يذهب لما هو أبعد من العادات والتقاليد، فخرج في بضع دقائق ليتطاول على الدين وشخصياته، والمجتمع يتابع مذهولًا؛ ما الذي يحدث؟!
وخلال دقائق معدودة، الفيديو يتكاثر ويصبح مئات المقاطع المتداولة، وسائل التواصل يكاد يصيبها العطل من كثرة إعادة الإرسال والتداول، وأفواه تعلق، وأنامل تكتب، وعقول تحاول أن تجمع خيوط ما ترى ليتأكد لها إن كان ما تراه حقيقة وليس مجرد تمثيل، في النهاية لا أحد يصل للحقيقة الكاملة، وبالرغم من ذلك ستجد هاتفك بين دقيقة وأخرى يعطيك إشارة بأن الفيديو أعيد إرساله إليك.. وسط هذه الفوضى كلها، هل تساءلنا ما الدافع وراء ذلك، ونعني بـ (ذلك) هو جميع ما يدور خلف تلك المقاطع، لماذا صورها أصحابها؟!، ما الدافع وراء نشرها وانتشارها؟!، ثم لماذا يقوم فلان من الناس بإعادة إرساله، غير مراعٍ لحرمة أسماء وردت فيه دون ذنبٍ حقيقي لها في كل ما يحدث، أو حتى دون علم له بأبعاد ذلك المقطع والأسباب الحقيقية لتصويره ونشره منذ البداية.
لهم مبتغى.. والنشر يعبد طريقهم
في حديث «القطيف اليوم»، مع الاختصاصي النفسي فيصل آل عجيان، قال: إن طالبي اللجوء كثير منهم يدعي المثلية، ونقول يدعي لأنه قد لايكون مثليًا، وخصوصًا في الآونة الأخيرة، ويدعون الإلحاد، فلو كان غير ملحد أو غير معنف أو غير مثلي الجنس أو شاذ جنسيًا فإنه قد لايحصل على اللجوء، فواحدة من الأوراق المهمة التي عبر عنها البعض في برنامج التواصل “تويتر”، كيف يمكن الحصول على اللجوء، وذلك عن طريق إعلان الإلحاد أو الإساءة للدين أو إلى القيم والعادات الاجتماعية”.
وأكد أنه حين يلاقي ناشر الفيديو ردة فعل فيها تنمر أو تهديد خصوصًا لو كان تهديدًا بالقتل وغيره – وهي في الواقع ليست تهديدات حقيقية إنما ردة فعل-، هذه التهديدات يستفيد منها طالبو اللجوء بتقديمها كوثيقة أنه مهدد بالقتل، وبالتالي يعزز قدرته بالحصول على اللجوء في بعض الدول مثل بريطانيا أو الدول الأوروبية بشكل عام، مؤكدًا على ضرورة الانتباه من هذه النقطة، فتداول مقاطعهم وانتشارها والتعليقات السليية عليها، ستوصلهم إلى مبتغاهم وتمهد الطريق إلى ما يصبون إليه.
فاشلون يحدثون “فرقاعة”
وذكر “آل عجيان” أن جزءًا كبيرًا من مصوري تلك المقاطع، صغار في السن وحديثو تجربة، وأوضح ذلك بقوله:”حين يقول شخص ما -مثلًا- أنا ملحد، أو يقول أنا توصلت من خلال قراءات؛ فهذا يعني أن عنده عمقًا في التجربة، وعنده عمرًا أيضًا، بالتالي من خلال هذا العمر والعمق في التجربة توصل إلى قناعاته وربط المسلمات، إلا أن المشكلة أن جزءًا كبيرًا من طالبي اللجوء هم حديثو السن وجزء منهم -اطلعت على بعض الحالات- يكون متعثرًا دراسيًا ويخجل أن يرجع، بمعنى أن لديه مشكلة نفسية في الرجوع وبالتالي يفضل اللجوء أو يدعي “فرقاعة””.
وأضاف:”بتلك “الفرقاعة” يحاول أن يجعل المجتمع يغمض عينيه عن حقيقة أنه فشل في الدراسة، وباختلاق موضوع كبير جدًا يحاول أن يشغل الآخرين بالحديث عن مستقبله الدراسي، طبعًا هذا ظنًا منه أن الآخرين مشغولون بمستقبله الدراسي؛ والواقع أن أغلب الناس كل مشغول بهمه ولو سلمنا جدلًا أن الناس فعلًا مشغولون هل حقق نجاحًا أم لا، فليس هكذا تورد الإبل، المفترض أن ينتبه إلى نقاط الضعف ونقاط الفشل، ويعاود الكرة مرة أخرى أو يحول المسار، أو يغير الجامعة أو يبحث عن مهنة أخرى، فالحياة لا تنتهي عند التعثر في الجامعة أو غير ذلك، لذلك فإن تفسيرنا كمحللين نفسيين حول مصوري تلك المقاطع أن هدف بعضهم -وأقول البعض- هو إزاحة أو “فرقاعة” لذر الرماد في العيون، من أجل أن يخبر حقيقة مؤلمة وهي الفشل”.
مشكلة تقلق أفراد المجتمع
ومن جانب علم الاجتماع، صنّف الاختصاصي الاجتماعي “جعفر العيد” خروج بعض الأفراد من المجتمع بفيديوهات وتغريدات صادمة والتي تتضمن خروجًا أو انحرافًا عن الخط العام القيمي والأخلاقي الذي اتفق عليه المجتمع، على أنها مشكلة اجتماعية تقلق معظم أفراد المجتمع، منوهًا بأن ذلك التصنيف مبني على وجهة نظر سوسيولوجية عامة.
لا لوم على المجتمع
وعن تداول هذا النوع من المقاطع أوضح “العيد” أنه لا يمكن توجيه اللوم إلى أفراد المجتمع بسبب تداول هذه القضية، بقدر ما نتساءل، عما كان بالإمكان تدارك هذه المشكلات قبل أن تتفاقم وتصبح كالصخرة الكبيرة التي تكاد أن تقع على صاحبها وعلى أسرته، وعلى المجتمع القطيفي بأسره؛ لأن الناس -بشكل عام- مصدومون ويحاولون عبثًا البحث عن حلول تساعدهم في حال تكرار هذه الحالة قريبًا من ديارهم -لا سمح الله-.
لنكن رحماء
وتعقيبًا على تداول ذلك النوع من المقاطع، وجه الاختصاصي النفسي “آل عجيان” رسالة للمجتمع على اختلاف أطيافه، داعيًا إلى التعامل مع تلك الأحداث بـ”رحمة”، وقال: “نحن نحتاج أولًا إلى أن نكون رحماء، حتى لو كان ناشر الفيديو قد تكلم بما تكلم بعد البحث، وكانت نيته صحيحة، وأن ما توصل له يعد قناعة، هنا يجب علينا أن نلتفت إلى أن قناعة الإنسان لا تنتهي عند حد، بل يستمر الشخص في التعلم وفي خوض التجارب، ومن المتوقع أن يعود إلى رشده، وأن يعود إلى وطنه وأهله ودينه، فهذا يحتاج إلى مجتمع يستوعب ويحتضن؛ ليسهل له طريق العودة ويعبّده لا العكس”.
ومضى في حديثه: “حين يكون الشخص مهددًا أو يُتنمر عليه؛ هنا سيكون لديه -فعلًا- مخاوف، سواء قصدها للاستفادة منها أو لا، فلنفترض أنه قاصد وأن ما تفوه به يعده حقيقة، مع ذلك لا داعي لأن ينشر ما قاله”.
لا داعي.. أبناء بلد ولديهم أهل
واستشهد بتجارب حقيقية، مرت معه كاختصاصي نفسي، قائلًا: “جزء من هؤلاء كنت أتكلم مع أهاليهم، واحد من الأهل كان يقول ليس ابنهم الشخص الوحيد الذي لديه هذا النوع من القناعات فكثير من المجتمع لديه نفس القناعة، إلا أن استنكار الأهل كان مبنيًا على؛ لماذا عملت لنا فرقعة إعلامية بهذا التصرف؟!، أزعجت من حولك وأسأت لهم”.
وأضاف: “لو افترضنا أن الناشر ولد أو بنت فلابد أن لديه إخوة وأخوات وقبل هذا لديه أهل -والدان-، وقد يعرض هذا الأمر جميع أفراد الأسرة إلى إساءة السمعة والأقاويل، فبالتالي لا داعي -حتمًا- لنشرها وتداولها، فبالإضافة للإساءة للأهل، قد يصبح لديه ولدى أهله سوء تكيف، مثلًا؛ أخ لا دخل له بالموضوع سيخجل من أن يخرج للمجتمع، مخافة أن يكون المجتمع قد عرف بما صرح به أخوه من أفكار خاطئة، فينبغي مراعاة أيضًا أن أي شخص هو ابن بلد، ابن عائلة، ابن ناس، والتعرض له تعرض لكل هذه المكونات، إلى البلد والعائلة والأشخاص الذين لا جرم لهم، حتى وإن كان ابنهم قد أجرم”.
واعتبر أن النتيجة الوحيدة التي قد تنال الأهالي من تداول تلك المقاطع؛ هي تشويه السمعة.
البحث عن الهوية
أكد “آل عجيان” أن الإنسان -من الزاوية النفسية- يظل باحثًا طوال حياته عن هوية، وخصوصًا من تملأ الأسئلة رأسه منذ صغره ولديه التفاتات ورغبة في المعرفة.
وتوجه للأهالي، ناصحًا بضرورة إعطاء أبنائهم فرصة للنقاش، وعدم سد أبواب النقاش في وجوههم بمقولة “الموضوع بالإيمان فقط”، مشيرًا إلى أن هذا النقاش من الممكن أن يجعل الأبناء أكثر رحابة وأكثر رغبة وقدرة على الدفاع عما توصل إليه، فلابد له أن يبحث حتى في المعتقد وليس فقط في أصل الدين.
وتابع: “لأن من يصل إلى القناعات من خلال البحث يكون أقدر على الدفاع عن اختياراته، ويكون مستمتعًا بانتمائه إلى دينه وإلى جنسه”.
وأضاف قائلًا: “حتى الميول الجنسية، كالسؤال؛ أين أجد نفسي؟ وأين أكون؟ هذه أيضًا من أسئلة الهوية، التي ينبغي أيضًا إعطاء الشخص فرصة للنقاش والحوار حولها، فالقمع وحده لا يكون مجديًا، خصوصًا عند بعض الأشخاص الذين لديهم سمات القدرة على التفكير خارج الصندوق، والقدرة على التفكير الإبداعي، والقدرة على النقد ومحاكمة المسلمات وتقييم الأمور، هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى جو أكثر يشجعهم على الإبداع، حتى يصلوا إلى نتائج إيجابية، وبالتالي ينسجمون مع انتماءاتهم الدينية والوطنية والجنسية وغيرها، ويكونون قادرين على الاستمتاع بهذا الانتماء ويصلون له عبر البحث والقناعة لا عبر القمع”.
التأثير.. لا شيء
وعن مدى تأثير ذلك على قيم الناس وأعرافهم من خلال رؤية علم الاجتماع، اختصرها الاختصاصي الاجتماعي “العيد” بقوله: “لا شيء!!” سيتغير في حياة الناس، نقول لا شيء إذا اعتمدنا في نظرتنا للمجتمع على أنه نظام أو نسق “social system”، يرتبط بكثير من العناصر والمركبات، أو الأنساق الأخرى، لكن المجتمع النسقي هذا يختلف في سيره عن العناصر المكونة له، فيقال هنا: “الكل مختلف عن العناصر المكونة له”.
وشرح ذلك قائلًا: “الأسرة نسق من الأنساق، لكن الأسرة لا تشبه الأفراد المكونين لها، وجسم الإنسان نسق، لكن دوره وعمله وحركته يختلفون بالكامل عن أدوار كل من اليد والرجل والقلب وغيرها”، مضيفًا: “تقوم نظرية الأنساق الشهيرة بتفسير جميع ذلك، وأن النسق له القدرة على التكيف، وإعادة التوازن، ومواصلة تفاعله مع العناصر والمركبات الأخرى من جديد، كذلك المجتمع كنسق قد يتضرر عند تمرد أو عصيان مجموعة من أعضائه، إلا أن المجتمعات لها القدرة على التكيف، والعودة إلى التوازن بفعل ديناميات العمل الجماعي، والقيم التي يتمسك بها أفراد هذا المجتمع”.
واسترسل “العيد” في حديثه: “إذا اتفقنا أن ما حصل هو عبارة عن تمرد أو انحراف شخصي من قبل فرد أو مجموعة من أفراد المجتمع عن قيمه ومبادئه، فعلاجه في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية يقوم على دراسة دوافع سلوك الأفراد المنحرفين، بالحوار ودراسة الحالة، ومن ثم الوصول إلى الحلول الإيجابية عن طريق عملية التعليم، أو إعادة التنشئة الاجتماعية من جديد”.
وبين أن المدخل النفسي لعلاج هذه المشكلة يرى -كما عبر عن ذلك فرويد- أن المشكلة قد تكمن في عملية النمو لدى الفرد، خصوصًا فترة الطفولة، وذلك عند عدم تلبية حاجات الفرد، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالإحباط، وقد ينتج عنها ظهور المشكلات الاجتماعية.
وأشار “العيد” إلى أن علماء النفس لم يهملوا العوامل التي تؤدي إلى المشكلات الاجتماعية، فقد ذكر فرويد؛ أن الانحراف قد يعود إلى الإهمال الأسري، أو صراع الأبوين.
ما الأهم؟
وجه “العيد” بوصلة الحديث ناحية التساؤل الأهم حسب رأيه كاختصاصي، مبينًا أن ذلك التساؤل هو: أما كان بالإمكان تدارك هذه المشكلة وغيرها من البدايات؟، وعرض الجواب حسب رأيه كاختصاصي أيضًا بقوله: “أتوقع أنه كان بالإمكان حل المشكلة، أو التخفيف من وطأتها، فيما لو راجع أهل هذه الحالات بعض العيادات النفسية، أو الاجتماعية”.
لا تصاوخ ولا تسكت
أكد “العيد” أن المشكلات الاجتماعية في تزايد، والحلول الاجتماعية لاتزال تستجرّ الحلول القديمة، التي لا تقدم سوى: “ضمضم، صاوخ، اسكت، لا تنشر، ويش بيقول الناس عنًا؟.. وهكذا، وتمتد هذه الحلول لتصل إلى هذه المشكلة، وتخرج لك بعض الشخصيات تتساءل عمن نشر التغريدة، أو مقطع الفيديو.
وأضاف: “يا نور عيني” هذه الأمور صارت بيد العالم، وليست بيد بعض الأشخاص فقط، هذه الشخصيات مع احترامنا البالغ لها -الذين يأمرون الناس بعدم النشر-، مهما كانت مبرراتها فهي تعبر عن الهروب من إيجاد حل للمشكلة، واتجاه الأحاديث نحو التآكل الداخلي بلا فائدة ترتجى، بدلًا من البحث عن حلول واقعية وعملية.
وختم بقوله: “مجتمعنا اليوم يحتاج إلى العشرات من المراكز النفسية والاجتماعية، ومراكز الإصلاح الاجتماعي، وينبغي أن يشغلها مختصون ولا تشغل بالمحسوبيات، وينبغي دعم هذه المراكز؛ لأنها إما أنها تعمل بشكل مجاني، أو بسعر لا يستطيع المحتاجون للخدمة دفعه، فالمتوقع من الطبقة الوسطى مساعدة المنطقة وقراها لمواجهة تيارات الانحراف، واستهداف الاستقرار الأسري”.