المنبر الحسيني يمثّل أداة أساسيَّة لغرس القيم والمبادئ الإنسانية وأداة من أدوات التربية بالنّسبة للفرد والمجتمع، فالحضور والجلوس في المآتم الحسينية في أيام عاشوراء الحسين فرصة لها أبعاد روحانية مؤثرة لمحاسبة أنفسنا وأفكارنا وتحريك عقولنا نحو الأهداف السامية التي من أجلها ضحى الإمام الحسين (ع).
الإمام الحسين (ع) قام بثورته العظيمة انطلاقاً من هدف واضح وصريح أعلنه أمام العامة أثناء خروجه من مكة قائلاً “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق”، فعلى عشاقه أن يسلكوا طريقه ويتعلموا الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية من سيدهم التي لا يمكن أن تغيرها المغريات الدنيوية.
خليط من عباد الله يلتحفهم الحزن والأسى في أيام عاشوراء تزحف إلى المآتم الحسينية لتجديد العهد مع سيدهم الإمام الحسين (ع) الذي يسري حبه داخل وجدانهم، وهذا يفرض علينا التأمّل في ظاهرة المجالس الحسينيّة على مرّ العصور، ويدفعنا إلى دراسة واقعها المؤثر في الوجدان، انطلاقاً من دورها في تهذيب النفس ومحاربة وساوس الشياطين بالابتعاد عن فعل المعاصي والمنكرات وترك الغيبة والنميمة ورفض كل أشكال الرشاوى.
الفضاء المفتوح اليوم بلا رقيب في زمن الإنترنت الذي صار مطية لكل كائن من كان صغيرًا وكبيرًا رجالًا ونساءً للظهور عبر وسائل التواصل، هو من أهم الأسباب التي أدت إلى اللنحرافات الأخلاقية بين الكثير من الناس في المجتمع، واندفاع النفس في حب التغيير ومحاولة التقليد إضافة إلى ضعف الوازع الديني لدى البعض من جيل الإنترنت من الجنسين، وضعف التغذية الروحية والفكرية من المجالس الحسينية وأماكن الذكر التي ابتعدوا عنها.
البشر بطبيعة الحال معرضون للأخطاء ولا شيء كامل إلا وجه الله تعالى، فالخطيب الذي يعتلي المنبر الحسيني كونه بشر ربما يخطئ حينما يخاطب الناس بروايات أو قصص قد يعتبرها البعض أنها “أسطورية أو خرافية” وقد لا تجد لها مكانًا في عقول المتلقين، ومن حقهم مناقشتها معه والرد عليه بالدلائل والبراهين لإثبات الحقيقة، لكن بأسلوب حضاري عبر قنوات الحوار الثقافي الراقي، وليس عبر تصيد الأخطاء على بعضنا البعض أو على بعض الخطباء واتهام المنبر الحسيني بنشر الخرافات وغيرها، والنقد أمر مطلوب لكنه بالعقلانية والأدب لكي لا تخرج علينا الأقلام التي تغني طربًا لتنال من المنبر.
ختامًا: إننا نحتاج إلى ثقافة الحوار فيما بيننا ورفض التعصب، وقبول الرأي الآخر بعيدًا عن استخدام وسائل التواصل لبث خلافاتنا في الفضاء الإلكتروني لمجرد خلاف في سماع قصة أو أسطورة أو أي خلاف يحدث بيننا، بل علينا الجلوس والحوار وإثبات الحقيقة التي يجب قبولها برحابة صدر من الجميع، فأيام عاشوراء لا تُحيا من أجل الحزن والبكاء فقط وإنما تُحيا لنحيا بذكرها.
كذب الموت فالحسين مخلدُ
كلما أخلد الزمان تجدد