النفايات البلاستيكية في البحر.. الخطر القادم !

التلوُّث واحد من الأخطار التي يواجهها الإنسان وبيئته في الوقت الحاضر، ويعرّف بأنه “حالة تنجم عن أعمال ونشاطات الناس وتتولد عنها مواد معينة في البيئة تكفي لإحداث آثار ضارة فيها”.

ينفق كلّ عام بسبب تلوّث البحار والمحيطات بجزيئات البلاستيك الدقيقة مليونُ طائر وأكثرُ من 100 ألف من الثدييات البحرية، صحة المحيطات محور المؤتمر الذي جرى في لشبونة – البرتغال 27 يونيو 2022م، لمدة خمسة أيام، بدعوة من الأمم المتحدة، ناقش المشاركون في مؤتمر المحيط اقتراحاتٍ لمعالجة ذلك، تبدأ بإعادة التدوير وصولا إلى فرض حظر تام على أكياس البلاستيك.

وقد تم تصميم مجسم فني في مقر المؤتمر يحاكي قضية تلوث البيئة البحرية بالمواد البلاستيكية، من أجل إيصال رسالة توعوية بيئية، وتحريك مشاعر الناس، تجاه ما تواجهه البحار والمحيطات من ملوثات تهدد الحياة الفطرية. قضية النفايات البلاستيكية في البحار والمحيطات تمثل ما بين 60 – 80% من النفايات، ونظرًا لأن معظم أنواع البلاستيك غير قابلة للانحلال فتشكل معلقات مستقرة تسد مجاري التنفس للكائنات البحرية، فقد أسهمت هذه النفايات بطريقة محسوسة في تلويث البيئة، بلا شك أحد أعمق الآثار البيئية الأحيائية المعاصرة.

ما استوقفني هو ذاك العمل الفني الذي جسد قضية التلوث البلاستيكي في البحر من خلال مجسم لصنبور ماء ينساب منه نهر من النفايات البلاستيكي، وسيلة معروفة لدى الفنانين هو اتباع أسلوب توعوي جذاب وجميل، يخدم الغرض الذي صمم لأجله، هم يسعون إلى لفت نظر الناس لأمور تمثل تنديدًا حقيقيًا للمياه البحرية عبر التركيز على تدفق مخلفات بلاستيكية من كل صوب تملأ الشوارع بالمناظر المؤذية، لمسة فنية بأسلوب عصري.

عبثية المنظومة الصناعية والاقتصادية التي تواجه العالم كله، أضرت بالبيئة والتنوع الأحيائي وخلقت تراكم النفايات في الكوكب، لتفرز سمومها في التربة والمياه والهواء، ومع إدراك العالم لحجم الخسارة الناجمة عن التلوث البيئي، انخفاض رصيدنا من التنوع الحيوي والذي يمثل بيئتنا الفطرية وهي جزء من رهان الحفاظ على نوعنا البشري. ومن وجهة نظر الخبراء والمدافعين عن البيئة، يرجعون سبب انقراض بعض الكائنات الحية إلى الكوارث البيئية التي تعد أحد أوجه النشاط البشري. لجوء الشركات الصناعية إلى التخلص من نفاياتهم الصناعية في البحار والمحيطات دون معالجة يبدو أقرب إلى الجنون، وربما يكون سببًا في مخاطر لا يمكن أن يتخيلها العقل، وقد أخلّ فيه أصحاب المصانع بالبيئة، كونها لا تشكِّل همًا عند معظم الكيانات الصناعية الكبرى، كما وأن الأنظمة والقوانين والتشريعات المتعلقة بالتلوث لا تجبر هذه الكيانات على تغيير سلوكها المدمر للبيئة والطبيعة، حيث المصالح التجارية ترفض التقيد بالقوانين والأنظمة والإجراءات المسؤولة عن حماية البيئة والطبيعة، كما أن تطبيق قوانين بيئية يقلص قدرة الشركات على جني أكبر ما يمكن من الربح، فمعالجة النفايات الصناعية باهظة التكاليف، وقد صارت قناعة الشركات في هذا الشأن شائعة، الدعوات الجادة والنداءات الحارة إضافة إلى تغطيات لمؤتمرات وندوات وورش عمل تُطلق توصيات ونصائح وتوجيهات من أجل وقف الأحداث والكوارث البيئية، وهي مسؤولية إنسانية وأخلاقية، هل يعقل أن نعيش في حالة ذعر وخوف ونحن نرى الشركات الصانعة والساسة مع دعاة حماية البيئة يمارسون عملية تدمير الحياة الفطرية دون أن يرف لهم جفن أو يخفق لهم فؤاد أو يصحو لهم ضمير؟! عملية بشعة ودمار عظيم تهدد مجمل حياة البشر: الصحية، والاقتصادية، والعلمية، والسياحية، والثقافية، والتراثية وغيرها.

إذن، القضايا والمشكلات البيئية باتت تؤرق بال العالم المعاصر، وهي مستمرة في ظل استمرار أنشطة الإنسان وسلوكياته الضارة بالبيئة والطبيعة وتأثيرها على الثروات الفطرية، فأي ضرر يلحق بأي نوع نباتي أو حيواني يؤدي إلى اضطراب كل الحياة فيها بشكل لا يمكن احتساب نتائجه بدقة سلفًا.

إن استمرار حياة البشرية مرهون ببقاء أسباب الحياة على الأرض، التي لا يبدو لنا منها إلا رمال وصخور ومياه ميتة، فقدنا الطبيعة والتي تمثل بيئتنا الحية والتي هي جزء من رهان الحفاظ على نوعنا البشري.

فلو شئنا أن نلخص صورة المستقبل كما ترسمه التجارب والعبر، لخلت هذه الصورة من أي تباشير للحل، فأنت لا تكاد تجد اليوم بلدًا واحدًا لا يعاني من مشكلات بيئية، إنها مجرد محاولة لاستشراف المستقبل، قد يحمل المستقبل من التحولات ما يتجاوز كل تقدم، ستفيض البحار والمحيطات بأكوام نفايات المصانع السامة، وسنجد صعوبة في التخلص من المخلفات البلاستيكية، وسنرى المواد العضوية وغير العضوية تطفو على السطح، وقد يترتب على ذلك تهديد الصحة البشرية والقضاء على الحياة الفطرية، فلا يستطيع أحد أن يتكهن بمدى ما ستؤول إليه الحياة البحرية في المستقبل، مرد ذلك إلى الكميات الهائلة من النفايات التي تأخذ طريقها إلى البحر، إن الاستمرار في إلقاء هذه النفايات في البحر ليهدد الحياة البحرية بالفناء!! وما على الإنسان إزاء هذا الخطر إلاّ أن يتكيَّف مع التلوث ويحاول أن يتعايش معه بعد أن يبذل بالطبع كل جهد ممكن على الصعيد القانوني والعلمي والتقني، للحدّ منه والإقلال من أضراره.

نحن نعيش في منطقة بيئتها المائية يضم نظامها البيئي تنوعًا أحيائيًا رغم صغر حجمها وضيق مياهها وضحالتها وقلة عمقها النسبي عليها، فمياه الخليج العربي تمتاز بالدفء، وعدم الاضطراب من جراء التيارات البحرية، لأن الخليج شبه بحيرة مغلقة، ومن أخصب المياه البحرية، إذ تتوافر فيه الأغذية اللازمة لازدهار الأسماك والقشريات الأكثر اكتظاظا، والنظر إلى الخليج كمنطقة نفطية تجوب فيه ناقلات النفط العملاقة، وكذلك تعدد الدول التي تطل عليه مباشرة، فتضيق الموانئ على سعتها بعشرات الناقلات العملاقة للنفط، تنهال أكثر ما تنهال في هذه المنطقة وتتقاطر في تتابع مستمر، فمعظم نفط العالم يخرج من هذه المنطقة، وإذا أضفنا إلى هذا وجود المصافي والمنشآت الكيميائية والبتروكيميائية المزدهرة فيه على امتداد ساحل الخليج، شكلت بعثرة الملوثات السائلة والصلبة، إضافة إلى الأنشطة البشرية كل ذلك سبب مشكلة بيئية من شأنها أن تقضي على الأحياء المائية أو تفسد عليها عيشتها، وقد تم رصد عديد من حالات تسمم ونفوق الأسماك، وظاهرة نفوق الأسماك الجماعي المتكررة، وانقراض بعض أنواعها في مياه الخليج، والتدهور في البيئة البحرية دليل على ذلك الخطر المحدق! نرى بعض الأسماك النافقة طافية على سطح الماء أو بقرب الساحل، بسبب مجهول لدى البعض، لكن الواقع هي النفايات الصناعية والأنشطة البشرية الخاطئة، وهذا يعكس المخاوف حول سلامة الحياة الفطرية.

دائمًا ما نقرأ ونسمع عن التسمم الناتج عن فساد الأسماك، أو عدم صلاحيتها للأكل، أو تلوثها بالمعادن الثقيلة، وكثير من المستهلكين يعربون عن تخوفهم الدائم من تناول أطعمة بحرية تم صيدها من مناطق ملوثة بعناصر ثقيلة كالزئبق والرصاص والكادميوم، وهذه العناصر تشكل وضعًا خطيرًا جدًا عندما توجد بكميات كبيرة.

كما أن لخصائص النفايات البلاستيكية، وحجمها، وشكلها تأثيرًا على مقدرتها على إيقاع الحيوانات البحرية في شركها والتسبب في إيذائها، فمادة البلاستيك في الماء يمكن أن تشابه الطعام، وقد تُقدم بعض الحيوانات البحرية على بلع الحبيبات البلاستيكية الناتجة عن الأنشطة البشرية وتظنها بيض سمك، وتبدو الأسماك والسلاحف وطيور البحر أكثر تأثرًا بالمخلفات الصلبة البشرية، بهذا الخطر وذلك بسبب ما تقتاته من حطام بشري سبب مجموعة من الاعتلالات، فهي تسد جهازها الهضمي، وتقلل من شهيتها مما يؤثر على مقدرتها على النمو والتكاثر، وربما يؤدي إلى إطلاق ملوثات سامة أثناء تناولها .

مكافحة تلوث مياه الخليج، والمحافظة على تنوعه البيولوجي، والتقليل من النفايات والحد من إنتاجها هي من الأولويات التي توقف تدهور الحياة الفطرية.

كانت الهيئة السعودية للحياة الفطرية تُعرف حين تأسست باسم: الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وقد أُنشئت عام 1986م، للمحافظة على التنوع الحيواني والنباتي وللمحافظة على الحياة الفطرية في المملكة. وفي عام 1987م تم في الكويت التوقيع على الاتفاقية الإقليمية الخاصة بمنع ومكافحة تلوث البيئة البحرية بالخليج العربي.

نعم، إن شبح التلوث المخيف الذي يرفرف فوق مياه البحار والمحيطات من جراء طرح النفايات البلاستيكية وغير البلاستيكية، يلقي في النهاية ظله على الكوكب جميعه. إن نجاة الجنس البشري نفسه تعتمد على إبقاء المحيطات نظيفة وحية في كل مكان من العالم.

وأخيرًا، فإن البحار والمحيطات تتعرض للتلوث بالنفايات الخطرة، كالنفايات الكيميائية والصناعية والإشعاعية والفضلات العضوية، مثل هذه الملوثات سببت مأزقًا عالميًا ؛ إذ لها أثر بالغ على حياة الأسماك والحيوانات والطيور البحرية، وما يجره هذا من انخفاض مصادر الغذاء. أرى أننا مطالبون لأجل الحياة والإنسانية أن نولي الأمر حقه من العناية، فإن حلول مشكلات النفايات البحرية تعتمد على التعاون بين الصناعة والبحث العلمي، والجهات المعنية والناس، وعندما تقوم كل تلك الجهات بدورها يمكن للبشرية أن تنعم ببحار نظيفة وجميلة وخالية من الملوثات. ففي هذا العالم الهمجي يتغذى كل خطر من خطر آخر ويغذيه بدوره، لتتسع مسببات الحركات وذيولها في دوائر حلزونية يكبر قطرها باستمرار.



error: المحتوي محمي