شخصية الطفل وقوة الجذب

بعد أن انتهى إمام الجماعة من صلاة المغرب، سمعت صوتًا جميلًا يتلو الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة الاحزاب:56].

صوتٌ عذب جميل، اخترق مسامع المصلين واستقر في قلوبهم، فصاروا يلتفتون يمينًا ويسارًا، أمامًا وخلفًا، بحثًا عن صاحب هذا الصوت الذي سحر النفوس بنبرته الجميلة.

كان صاحب الصوت طفلًا يبلغ من العمر ثماني سنوات. فكما أن قوة المغناطيس تشد وتجر الأجسام إليها، كذلك الناس ينجذبون إلى بعض الشخصيات كانجذاب النحل إلى العسل، وكما أن هناك رجالًا يمتلكون قوة جاذبة، فهناك أطفال يمتلكون تلك القوة أيضا.

الحسنان وقوة الجذب
يحدثنا التاريخ عن شخصية الحسنين (ع) ومدى امتلاكهما هذه القوة، حيث يقول عبد الله بن بريدة: “سمعت أبي يقول: كان رسول الله ﷺ يخطب على المنبر، فجاء الحسن والحسين، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله ﷺ من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: إنما أموالكم وأولادكم فتنة” (1).

في هذه الحادثة عدة دروس، ومن بينها أنك قد تنجذب لذلك الطفل الذي يتمتع بتلك الصفات الجاذبية، وهذا ما نود أن نسلط الضوء عليه من خلال النقاط التالية:

الوقار وقوة الجذب
الوقار من الصفات والأخلاق الحميدة التي تجمل الإنسان، كما ورد عن الإمام علي (ع) حيث: “جمال الرجل الوقار”، وعنه (ع): “كن في الملأ وقورا، وفي الخلاء ذكورا” (2).

رأيت -ذات يوم- شابين في بداية مرحلة البلوغ، رأيتهما وهما يؤديان الصلاة بكل خشوع ووقار؛ مما جعلني أتأمل وأتلذذ بهذا المنظر البديع في أداء الصلاة، وقلت في نفسي هنيئًا لوالديكما بكما.

حسن المظهر
ورد عن رسول الله ﷺ أنه قال: “إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل” (3). المظهر الخارجي له قوة كبيرة في التأثير على الناس وانطباعاتهم، والمظهر الجيد يترك انطباعات إيجابية، لذلك عندما تقابل أحد الأطفال، وقد اهتم بمظهره الخارجي من ملبس نظيف، وعطر زكي وكأنه ملاك، فإنه يأسرك ويؤثر فيك.

الفصاحة وقوة البيان
عندما يكون الطفل فصيحًا وذا بيان قوي؛ فإنه بلا شك سيكون شخصية جاذبة، وفي التاريخ عديد من الأمثلة والشواهد، ففي قصة طويلة سأل المأمون الإمام الجواد (ع): “لماذا لم تلحق بالأطفال حين فرُّوا؟ فأجابه: يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضِيقٌ لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظنِّي بك حَسنٌ أنَّك لا تضرب مَن لا ذنب له فوقفت. تعجَّب المأمون مِن هذه الكلمات الحكيمة، والمنطق الموزون، والنبرات المُتَّزنة للطفل فسأله: ما اسمك؟
محمد.
محمد ابن مَن؟
ابن عليٍّ الرضا
عند ذاك ترحَّم المأمون على الرضا (ع)، ثمَّ ذهب لشأنه”(4).
وفي هذا الجانب تأسس برنامج “جافل” لتعليم فنون التواصل والقيادة لفئة 12 إلى 17 عامًا.

الإنجاز العلمي
جاء في بعض أخبار القطيف:
طلاب القطيف يتألقون في مسابقات أولمبياد الرياضيات، حيث حقق خمسة من طلبة المدارس الابتدائية بقطاع القطيف مراكز عالمية في نهائيات مسابقة الحساب الذهني.

عندما يكون الطفل لديه هذه الموهبة، وهذا الإنجاز العالمي فإنه سيكون مؤثرًا وجاذبًا لمن حوله؛ لذلك علينا أن نهتم بتنمية هذا الجانب، وبناء جيل مبدع ومتميز.

الهوامش:
1. “ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 – الصفحة: 3669″
2.”ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 – الصفحة: 3616”
3. “ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1 – الصفحة: 414”
4. “القَصص التربويَّة عند الشيخ محمَّد تقي فلسفي، للطيف الراشدي، دار الكتاب الاسلامي، الطبعة الأولى 2004م”



error: المحتوي محمي