شيخنا السيف: الحال أسوأ مما وصفت!!

لم يكن الطرح الجريء الذي أشار إليه سماحة العلامة الشيخ فوزي السيف -حفظه الله- في إحدى محاضراته العاشورائية، حول تفشي مرض حب الرئاسة والوجاهة والتنافس المذموم المنتشر في بعض أروقة الجمعيات واللجان الاجتماعية والمساجد والحسينيات والمواكب، إلا تبيانًا لفظاعة هذا المرض الفتاك، وتبعاته الخطيرة على المجتمع، بحيث عُدّ الحديث عن انتشاره إساءة للدين، وتشويهًا لرجاله، وقدحًا في متولّيّ المساجد والناشطين الاجتماعيين!! مع تسليمنا بوجود شريحة كبيرة من العاملين المخلصين.

وتكمن خطورة تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية المقيتة في بعدين رئيسين: الأول: أن لتلك الأماكن قدسية دينية، ومكانة اجتماعية خاصة عند عموم الناس؛ كونها أماكن لجذبهم وتعليمهم وخدمتهم، لا محل نزاع وتنافس دنيوي مذموم، والثاني: أن بعض القائمين عليها لم يتّصفوا بصفة تربية الذات، وامتلاك حس المسؤولية الدينية والاجتماعية، والبعد عن الفئوية والمناطقية، والانتماء المرجعي بتغليب المصلحة الاجتماعية العامة على المصلحة الخاصة، لذلك ورد عن الإمام الصادق (ع): “إن أول ما عُصي الله به ست، ومنها: حب الرئاسة”، وورد عن أمير المؤمنين (ع): “لو خلصت النيّات لزكت الأعمال”.

أيعقل أن مسجدًا به أكثر من ثلاثة متولين؟!!، بينما أقصى متولٍ إمامًا راتبًا من إمامة مسجد ليحل آخر مكانه!!، وأفضى نزاع على حسينية إلى تقسيمها إلى قسمين ومجلسين!!، بينما يحرض رادود حسيني مجتمعًا ضد رواديد آخرين يختلفون معه!!، بينما لم تجد جمعية خيرية مجموعة من المرشحين لتغطية نصاب إدارة مجلسها!!، بالمقابل تجد مئة مرشح لمجلس لجنة أهلية من أجل إقصاء مجموعة من الترشح لمجلس إدارتها!!، وأصبحت بعض المساجد وقفًا لأفراد، وأصبحت بعض اللجان إرثًا يُورثه الآباء للأبناء!!.. والحديث.. يطول .

فبدلًا من أن تكون بعض الأروقة التعبدية والاجتماعية أروقة لجذب الناس وعمل الخير، والتنافس المحمود على الآخرة، أصبحت أروقة للتنازع على الوجاهة الزائفة، والمصالح الشخصية، والتكالب على الدنيا!!.

لذلك ازدادت حالة النفور من بعض هذه الأماكن، وكذلك البعد عن الترشح لمجلس إدارة بعض الجمعيات واللجان، بل نجد سخطًا اجتماعيًا على القائمين عليها، وتشويهًا لصورتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعَمِل كثير من الناس بقاعدة: “إذا نازعك الناس على الدنيا فاتركها لهم”، ولسان بعضهم يقول: “إذا كان هذا حال بعض المساجد والمواكب والجمعيات واللجان، وهذا سلوك بعض المتجلببين بجلباب الدين، والمتصدين للشأن الخيري والاجتماعي، فماذا أبقيتم لباقي الأروقة، وسلوك عامة الناس؟!.

إن الواقع المرير الذي لا زال يحدث في بعض من مساجدنا وحسينياتنا وجمعياتنا ولجاننا أكبر وأخطر مما تفضل به سماحة شيخنا الجليل، لذا نحن بحاجة إلى وقفة جادة من المتصدين للشأن الديني والاجتماعي؛ لغربلة هذا الملف الديني والاجتماعي وإعادة تقويمه، والعمل على تغيير واقعه الذي يزداد ترديًا يومًا بعد يوم.

ولو تحدث شخص عن بعض القضايا والنزاعات التي حدثت ولا زالت تحدث في أروقة المحاكم عن بعض المساجد والجمعيات واللجان التي يمكن أن يصنع منها سيناريو لمسلسل فكاهي!! لألصقوا به أبشع النعوت، وأقبح الصفات، بل لأخرجوه من الدين، ولكن.. ليس كل ما يُعرف يقال.



error: المحتوي محمي