اعتذِر.. تعظم في عينِ الله وأعين النَّاس!

لا تستخفنّ بالخطأ، بعضه لا يُغفر ولا يُتجاهل!

في ثقافة الغرب، والرجاء من القارئ الكريم أن يعذرني على المقارنة، يعتذر النّاسُ عن أفعالٍ صغيرة -جدًّا- مراتٍ كلّ يوم؛ لم يمسك بالباب لمن دخلَ بعده، زاحمَ أحدًا دون قصد، قطعَ على متحدّثٍ حديثه، قطعَ على آخر الشارع! تسمع الواحد منهم يعتذر ويبتسم عشرين مرَّة في اليوم أو أكثر! تقولون: هي فقط عادة عندهم! إذن هي نعم العادة لو كانت عندنا أيضًا!

نحن الذين تجري في دمائنا ثقافة حسن المعاملة والاعتذار، نعتبر الاعتذار ضعفًا ومسكنة! وأحيانًا نلوم غيرنا على الاعتذار: لماذا تعتذر؟ أنتَ الكبير، أنتَ على حق، أنتَ من وقعَ عليك الخطأ!

الاعتذار قوّة وشهامة؛ ألا ترون أن الله يحبّ المعتذرين إليه كل يوم؟ يسامحهم، ويعاقب من لا يعتذر عن خطئه، وأكبر الأخطاء عند الله التي من الإنسان نحو الإنسان! أما الأخطاء بين الربّ والعبيد فهو – الله – يعفو ويصفح عن الكثير. يعطي النبي (صلى الله عليهِ وآله) درسًا حين “يتوب إلى الله في كلِّ يومٍ سبعين مرةً من غير ذنب”؟!

عندما هممتُ بكتابة هذه الخاطرة، بحثتُ عمَّا إذا كانت ثقافتنا أو ديننا أو أخلاقنا لا يشجع على الاعتذار، لذلك نتثاقل عن الاعتذار، لكن فاجأني وفرة ما وجدت من توصيات بالاعتذار وقبول الاعتذار، لم أجد له نظيرًا في الثقافاتِ الأخرى!

الاعتذار ليسَ مذلة! الاعتذار شجرة مباركة نزرعها وننميها، “شافعُ المذنبِ إِقراره، وتوبته اعتذاره”. الاعتذار والتراجع عن الخطأ ثقافة جميلة راقية، علينا أن نشجع عليها، لا نشجع النَّاس على الإصرار على الرأي الخطأ! شجرة طيبة نزرعها وننميها في أسرنا وفي مجتمعنا، شجرة تثمر المودة والمحبة.

يفعل الاعتذارُ في النفس ما لا نستطيع أن نتصوره من غَسل، يجعلنا سفراءَ لله ولدِين الله في الأرض. أيّة مسرّة أعظم من أن يسمع من وقعَ عليه خطأ: أنا آسف، أنا أعتذر؟ الاعتذار شهامة، عقل، حكمة، يكبر صاحبه عند الله وعند الناس.

ثمَّ قبول الأعذار أجمل من الاعتذار؛ “اقبل عذرَ أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذرًا”.

خلاصة المرام: الاعتذار ليس ضعفًا، بل تنازل عن كبرياء -وأنا- موهومة! علمتنا ثقافتنا أن نعتذرَ ونقيلَ العثرات، “العذر عند كرامِ الناس مقبولُ”. الإصرار على عدم الاعتذار وردّ الاعتذار أشجارُ حنظل، مرّة لا خيرَ فيها، إذن نبثّ ثقافة الاعتذار وقبول الاعتذار، بدلًا من تبغيضِ الناس فيها!



error: المحتوي محمي