لَا يَسْتَقِيْمُ الْحَالُ لِلْبَعَضِ مِنْ النَّاسِ دُوْنَ الْبَحْثِ عَنْ اصْطِفَافَاتٍ وَ تَكْوِيْنِ ” كِيْتُوْنَاتٍ ” سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ عَلَىْ مُسْتَوَىْ أُسْرَةٍ أَوْ مُجْتَمَعٍ ، وَهُوَ بِحَدِّ ذَاتِهِ ظَاهِرَةٌ إِيْجَابِيْةٌ وَ شَيْءٌ مَشْرُوْعٌ مَا لَمْ يُصَاحِبْ ذَلِكَ مَا يُسَمَىْ بِتَقَاطِعِ الدَّوَائِرِ وَ التَّعْدِّيْ عَلَىْ الْحُقُوْقِ ، وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ إِطَارِ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيْةِ الْتِّيْ مَفَادُهَا ” لَا ضَرَرٌ وَ لَاضِرَارُ ” .
إِنَّ الْمَسَارَ الصَّحِيْحَ فِيْ مُؤَدَّىْ تَكْوِيْنِ هَذِهِ الاصْطِفَافَاتِ فِيْ أَنْ تَصُبَّ كَرَوَافِدَ بَنَاءَةٍ يُؤَمَّلُ مِنْ خِلَالِهَا فِيْ إِعْطَاءِ نَتَائِجَ إِيْجَابِيْةٍ يَعُمُّ نَفْعُهَا وَيَسْتَفِيْدُ مِنَهَا الْجَمِيْعُ.
الْعَلَاقَةُ الطَّبِيْعِيْةُ الْتِّيْ تَنْحُوْ مَنْحًا صَحِّيًّا بَيْنَ الْأَفْرَادِ هِيَ فِيْ أَنْ تَكُوْنَ عَلَاقَةُ تَبَادِلِ مَنَافِعٍ وَ خَدَمَاتٍ كَمَا أَرَادَهَا الشَّارِعُ الْمُقَدَسُ أَنْ تَكُونَ ، حِيْثُ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِيْ مُحْكَمِ كِتَابِهِ الْكَرِيْمِ فِيْ سُوْرَةِ الْمَائِدَةِ :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المَائِدَةُ: 2]
لَا كَمَا يَحْلُوْ لِلْبَعْضِ أَنْ يَسْتَثْمِرَ مِثْلَ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ فِيْ التَّعَدِّيْ عَلَىْ حُقُوْقِ الْأَخَرِيْنِ وَ الْاسْتِقْوَاءِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ فِيْ فَرْضِ الْمَزِيْدِ مِنْ ضُرُوْبِ السَّيْطَرَةِ ؛ كَمَنْ لَدَيْهِ إِنْ جَازَ التَّعْبِيْرُ مُتَلَازِمَةُ خَلْقِ الْعَدَوَاتِ مَعَ الأَخَرِيْنَ لِكِيْ يَعِيْشَ وَ يَحْيَا.
هُنَالِكَ جُمْلَةٌ مِنْ الْمُحَدِدَاتِ الْتِّيْ تَضْبِطُ طَبِيْعَةَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ مَهْمَا اتَسَعَتْ، سَوَاءً كَانُوا أُسَرًا أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ ، فَقَدْ جَاءَ مِنْ وَصِيِّةٍ لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ لِوَلَدِهِ الْحَسَنِ – عَلَيْهُمَا السَّلَامُ – : ” يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ” .
وَهَذِهِ الْمُرْتَكَزَاتُ لَهِيَ كَفِيْلَةٌ بِبِنَاءِ الْمُجْتَمعَِ الإنْسَانِيْ وَ الْارْتِقَاءِ بِهِ إِلَىْ أَعْلَىْ الْمُسْتَوَيَاتِ. وَبِالتَّالِيْ تَحْقِيْقُ أَسْمَىْ وَأَرْقَىْ الْقِيِّمِ الْاجْتِمَاعِيْةِ لِتَكُوْنَ هِيْ الْحَاكِمَةُ عَلَىْ عَلَاقَاتِ النَّاسِ.
وَمِنْ هَذِهِ الأُسُسِ وَ الْمُرْتَكَزَاتِ الْتِّيْ تُؤَدِيْ إِلَىْ ضَبْطِ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ لِتَكُوْنَ ضِمْنَ مَا أَرَادَهُ الشَّارِعُ الْمُقَدَسُ فِيْ بِنَاءِ مُجْتَمعٍَ إِنْسَانِيْ تَكُوْنُ فِيْهِ ضَوَابِطُ تَحْكُمُ عَلَاقَاتِ النَّاسِ بَيْنَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ وَ الْتِّيْ مِنْهَا أَنْ يَكُوْنَ الإِنْسَانَ يُحِبُّ لِغَيْرهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، وَأنْ يَكْرَهُ لِغَيْرهِ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ ، وَأَنْ لَا يَظْلِمُ كَمَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُظْلَمَ ، وَأنْ يُحْسِنَ لِلأَخَرِ بِقَدْرِ مَحَبَتِهِ لِإِحْسَانِهِمْ إَلَيْهِ ، وَأَنْ يَسْتَقْبِحَ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَسْتَقْبِحُهُ مِنْ الْأَخَرِيْنَ ، وَأَنْ يَرْضَىْ مِنْ النَّاسِ بِمَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْهُمْ ، وَ أَنْ لَا يَقُوْلَ مَا لَا يَعْلَمُ ، وَعَدَمُ قُوْلِهِ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ .
وَهَذَا مَا قَادَ بِهِ النَّبِيُّ الْأَكْرَمُ – صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ – مَسِيْرةَ الْإِسْلَامِ الْخَالِدَةِ ، وَهُوَ الْعَارِفُ بِأَسْرَارِ الْوَحِيْ الْإِلَهِيْ؛ لِذَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَثِيْقَةً يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَطْمَحُ فِيْ تَحْقِيقِ وَإِرْسَاءِ الْقَوَاعِدَ الْاجْتِمَاعِيْةِ، وَإِرْسَاءِ الرَّوَابِطَ الْسَلِيْمَةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْبَشَرِيْ.
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأنَّ الدِّيْنَ الإسْلَامِيْ قَدْ وَضَعَ الأُسُسَ وَالْمَبَادِئ لأُصُولِ الْمُعَاشَرَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَاضِعًا فِيْهَا أَنْظِمَةً وقَوَانِيْنَ، حِيْثُ رَغَّبَ بِحُسْنِ مُعَاشَرَةِ صِنْفٍ مِنْ النَّاسِ والابْتِعَادُ عَنْ مُعَاشَرَةِ صِنْفٍ آخر، وبيّنَ فيْ ذلكَ مَنْ تجبُ مُصَادَقَتُهُ وَمُصَاحَبَتُهُ وَمَنْ تُكره مُجَالَسَتِهُ وَمُرَافَقَتِهُ ، لَكِنْ الْأَصْلَ فِيْ ذَلِكَ هُوَ التَّحَبُّبُ إِلَىْ النَّاسِ وَالتَّوَدِّدِ إِلَيْهِمْ وَيَظْهَرُ ذِلِكَ جَلِيًّا فِيْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ ومَا يَجِبُ فِيْهَا ، وَمِنْ وصيّةٍ لِلْإِمَامِ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ- : “خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ”.
وَمِمَا جَاءَ فِيْ وَصِيِّةِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ- ” اقْرَأْ عَلَىْ مَنْ تَرى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ. وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَطُولِ السُّجُودِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَىْ الْلَّهُ عَلِيْهِ وَآلِهِ، أَدُّوا الْأَمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا، بَرّاً أَوْ فَاجِراً، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَىْ الْلَّهُ عَلِيْهِ وَآلِهِ كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ، وَالْمِخْيَطِ ، صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ، فَإِنَ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ الْحَدِيثَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذلِكَ، وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ: هذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، وَإِذَا كَانَ عَلى غَيْرِ ذلِكَ، دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُهُ وَعَارُهُ، وَقِيلَ: هذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، فَوَ اللَّهِ، لَحَدَّثَنِي أَبِي عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام، فَيَكُونُ زَيْنَهَا: آدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ، وَأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وَأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ، إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ وَوَدَائِعُهُمْ، تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْهُ، فَتَقُولُ: مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ؟ إِنَّهُ لَآدَانَا لِلْأَمَانَةِ، وَأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ”.
وَمِنْ الْمُرْتَكَزَاتِ التي تُبْنَى مِنْ خِلَالِهَا الْعَلَاقَاتُ الإنْسَانِيْةُ أيْضًا هِيَ حَاجَةُ النَّاسِ إِلَىْ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ ؛ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ الإمَامِ الصَّادقِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: ” إنهُ لَابُدَّ لَكُمْ مِنْ النَّاسِ إنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَغْنِيْ عَنْ النَّاسِ حَيَاتِهِ وَالنَّاسُ لَابُدَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ”.
وَبِهَذَا فَقَدْ وَضَعَ الإمَامُ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ مِيْزَاناً لِلْإِنْسَانِ فِيْ الْانْتِسَابِ إِلَىْ مَدْرَسَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ – عَلَيْهِمْ السَّلَامُ- وَهُوَ حُسْنُ الصُّحْبَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ.
وَمِمَا نَقَلَهُ أَبُوْ رَبِيعٍ الشَّامِيْ فِيْ هَذَا السِّيْاقِ قَوْلُهُ : دَخَلْتُ عَلَىْ أبِيْ عَبْدِ اللهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – وَالْبِيْتُ غَاصُّ بأهْلِهِ فِيْهِ الْخُرَاسَانِيْ وَالشَّامِيْ وَمِنْ أَهْلِ الْافَاقِ فَلَمْ أَجِدْ مُوْضِعًا أقْعُدُ فِيْهِ، فَجَلَسَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ مُتَّكِأً فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: “يَا شِيْعَةَ آلِ مُحَمَدٍ، إِعَلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَمْلُكْ نَفْسَهُ عِنْدَ غَضَبِهِ ومَنْ لَمْ يُحْسِنْ صِحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ وَ مُمَالَحَةُ مَنْ مَالَحَهُ، يَا شِيْعَةَ آلِ مُحَمَدٍ اتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالَلَّهِ”.
فَمِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يَكُوْنَ الإِنْسَانُ مُعْتَدِلاً فِيْ مَحَبَّةِ النَّاسِ وَالثِّقَةِ بِهِمْ وَالرُّكُوْنِ إِلَيْهِمْ دُوَنَ إِسْرَافٍ أَوْ مُغَالَاةٍ، فَلَا يَصِحُ الْاطْمِئْنَانُ إِلَيْهِمْ وَإِطْلَاعِهِمْ عَلَىْ مَا يَخْشَىْ إِفْشَاءَهُ مِنْ أسْرَارِهِ وَخَفَايَاهِ.
فَصَدِيْقُ الْيَوْمِ يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ عَدُوًا وَ الْعَكْسُ صَحِيْحٌ ، وَمِمَا جَاءَ عَنْ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – قُوْلَهُ : “أَحبِبْ حَبِيْبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَىْ أَنْ يَكون بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وابْغِضْ بَغِيضْكَ هَوْنًا مَا، عَسَىْ أَنْ يَكُوْنَ حَبْيِبَكَ يَوْمًا مَا”.
فَقَدْ تَشُوْبُ الْعَلَاقَاتَ الْإِنْسَانِيْةَ بَعْضُ الشوائبِ والمشاكلِ، ومهما حرصَ الإنسانُ فإنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأ لِكُوْنِهِ مُفْتَقِرٌ لِلْعِصْمَةِ ، لِذَا فَعَلَىْ الْإِنْسَانِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَغَاضَىْ عَنْ الْإِسَاءَةِ، وَيَصْفَحَ عَنْ الزَّلَلِ وَالْخَطَأ، وَمُحَاوَلَةُ إِصْلَاحِ الْإِسَاءَةِ بِالْإِحَسَانِ.
فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَىْ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فًُصِّلَتْ – 34 ]
وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ..﴾[ آل عُمْرَانِ -159 ]
وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ – صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ – : “أمَرَنِيْ رَبِّيْ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِيْ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ”
إنَّ تَوْجِيْهَاتَ وَمَبَانِيْ الدِّيْنِ الْحَنِيْفِ تَفْرَضُ عَلَيْنَا الْحُرْصَ عَلَىْ غَضِّ النَّظَرِ وَ تَنَاسِيْ الاسَاءَةِ مِنْ الأخَرِيْنَ بَغِيْةَ أَنْ يَدْفعَ ذَلِكَ الْمُسِيْءُ إِلَىْ عَدَمِ الْعُوْدَةِ إَلَىْ الْخَطَأْ، كَمَا أنَّ قَبُوْلَ مَعْذِرَةَ الصَّدِيْقِ عِنْدَ اعْتِذَارِهِ دُوَنَ تَعْنَّتٍ هُوَ مِنْ سِمَاتِ كَرَمِ الْأَخْلَاقِ وَطَهَارَةِ الضَّمِيْرِ وَالْوَجْدَانِ.
وَمِنْ الْمُلَاحَظِ وَفِيْ كَثِيْرٍ مِنْ الْأَحِيَانِ أَنْ الْعِتَابَ قدْ لَا يُجْدِي نَفْعَاً، وَ يَكُونَ الصَّفْحَ أَجْدَىْ وَأَجْمَلَ فِيْ رَدْعِ الْإِنْسَانِ عَنْ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ خَطَأْ.
أَحْضَرَ الْإِمَامُ الْكَاظِمُ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – وَلْدِهِ يَوْمًا مَا وَقَالَ لَهُمْ: “ياَ بنيَّ إِنِّيْ مُوْصِيْكُمْ بِوَصِيِّةٍ، فَمَنْ حَفِظَهَا لَمْ يَضَعْ مَعَهَا، إِنْ آتَاكَمْ آتٍ فَأَسْمَعَكُمْ فِيْ الأُذنِ الْيُمْنَىْ مَكْرُوْهاً، ثُمَ تَحَوَّلَ إِلَىْ الأُذنِ الْيُسْرَىْ فَاعْتَذَرَ وقالَ: لَمْ أقلْ شيئًا فَاقْبَلُوا عُذْرَهُ”
وَقَدْ صَدَقَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – حِيْنَ قَالَ: ” أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَىْ الْجَاهِلِ.
الهوامش :
1- القرآن الكريم
2- نهج البلاغة
3- أصول الكافي
4- موقع الزكية