أَشعُر بألمك “I feel your pain” قد نردد هذه العبارة كثيرًا عندما نتعاطف مع معاناة شخصٍ ما، ولكن لا ندرك ما الأثر النفسي الذي تتركه بصمة تلك العبارة في أنفسنا وما الرابط العلمي لذلك.
فلطالما كان التعاطف والشفقة من سمات النفس البشرية التي نالت اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس على مر العصور، ولكن اليوم أصبحت من ضمن الاهتمامات البحثية لعلماء المخ و الأعصاب لما لها من تأثير مباشر على الصحة العصبية للدماغ وتغيير خارطة الألم فيه.
ففي دراسة بحثية قامت بها الباحثة تانيا سينجر أثبتت من خلالها أن هناك مناطق حساسة للألم في الدماغ تتمثل في منطقة الكورتكس، الإنسولا، المخيخ، الثالاماس يتم استثارتها عندما نُظهر تعاطفنا مع الآخرين.
حيثُ إن التعاطف يقنن المشاعر السلبية لدى الأفراد، ويستبدلها بمشاعر إيجابية تخدم الشبكة العصبية المرتبطة بالعواطف في الدماغ، فتقلل من حساسية الألم.
وبلا شك فإن التعاطف يزيد من النضج والوعي على المساحة العامة لشخصية الفرد لأنها تنقله من مضمار الأنانية المبالغ فيها إلى مفهوم الإيثار والوعي المتبادل.
في الحالة العامة نحن بطبيعتنا في صدى عاطفي دائم في تعاملاتنا اليومية في المجتمع، وهذا الأمر ينمي مهارة الذكاء العاطفي، ولكن يجب أن يكون لدينا أيضًا مهارة حظر الرنين التعاطفي بسهولة، متى استشعرنا أنه قد أصبح خطرًا مُحدقًا بنا.
ونتيجة لذلك فلا بد من أن يكون لدينا مقدرة على تدريب المشاعر الاجتماعية، بحيث نعرف متى نضع حدًا للتعاطف، أو متى يستدعي الموقف منا الرحمة؛ لأن هذا التدريب يساعد في تعديل استجابات الدماغ العاطفية في التحكم في الألم وشدته وتحويلها لألم جسدي مزمن عند تفاقم هذا الوضع من غير وضع حدود لذلك بشكل مسبق وفهم آلية التعامل مع الموقف.
إن التعاطف الدائم مع الآخرين وحمل آلامهم وهمومهم بشكل مستمر قد يُلقي بك في هاوية المعاناة النفسية، التي قد تتجسد في آلام جسدية مزمنة مختلفة دون أن تشعر، وبالتالي سيؤدي بك على المدى الطويل إلى ظهور أعراض الإرهاق الذهني والجسدي والانسحاب من كل شيء، حتى ما يُعنيك أمره ووجودك عادة مهمًا له.
فلا بد من أن نعي أن المشاعر معدية كعدوى الرشح والزكام، ولها تأثير بشكل مباشر على استجابة الدماغ للألم وترجمته بطرق جسدية مختلفة، لأن التعاطف مع آلام وهموم الآخرين يشمل جميع المكونات الوجدانية بالدرجة الأولى وليس المكونات الحسية للألم.
وبالتالي هذا هو الفخ والنقطة الخادعة لنا؛ لأنها تلعب في المشاعر الوجدانية في ذاكرة الألم لدينا عند الشفقة الزائدة، وتتوسع مساحتها حتى تصل لمناطق الألم الجسدية في الدماغ فتترجمها بشكل مختلف، لا يجعلنا ندرك أسبابه الحقيقية، ونستمر فيما نفعله من إرهاق أنفسنا دون أن نعي.
فيتوجب علينا التفريق بين مشاعر الشفقة ومشاعر التعاطف المقننة، فالشبكة العصبية في الدماغ تزداد فيها حدة المشاعر السلبية عند ظهور الشفقة بشكل مستمر ومبالغ فيه، بينما تزداد نشاط الخلايا العصبية المرتبطة بالانتماء والمكافأة عند وجود مشاعر إيجابية تنشأ من التعاطف الصحي بين الأفراد.
ومن المهم تسليط الضوء على الأشخاص الذين يعملون في سلك الرعاية الصحية كالممارسين الصحيين؛ فالتعاطف هو لبنة أساسية للتواصل الفعال بين المعالج والمريض، ولكن لا بد أن يكون لديهم مؤشر عند بذل الاستجابة العاطفية مع المرضى عند مواجهة معاناتهم مع الألم واستخدام الرحمة بشكل مجزٍ يفيد المرضى، ولكن لا يكون له أثر سلبي على الصحة النفسية والجسدية للمعالج.
وعلى ضوء كل ما سبق ذكره، فإن التعاطف سمة تدل على طهارة الروح وما أجمل أن يكون القلب مغلفًا بالرحمة والرقة، ولكن من المهم أن ندرك أن هناك أبعادًا عاطفية وجسدية لتجربة إدراك آلام الآخرين، فلا بد من أن تكون لدينا الحكمة الكافية للتفريق بين المواقف المختلفة التي تستدعي التعاطف، الشفقة، أو الرحمة وكيف نضع حاجزًا لا يمنعنا من مساعدة الآخرين ورحمتهم ولكن يقينا من عدوى المشاعر.