العمل التطوعي وافتقاد القيادات

يغلب الحماس والاندفاع والرغبة الشخصية المختلفة النوايا على الأفراد في العمل الإداري على اختلاف المجالات في العمل الاجتماعي التطوعي، يقابله توجس من جانب آخرين “ليس هو موضوعنا هنا”.

ويغيب التخصص -في الغالب- مع انعدام الخبرة، والجهل بمبادئ العمل ذاتها.

لهذا تختلط الأمور، وتتعرقل المهام أحيانًا كثيرة لتصادم بعضها ببعض، حيث يحدث هذا خاصة في ظل الإدارات الحديثة العهد كليًا بهكذا مهام، فيما تخف وطأته في حال التمازج بين أصحاب الخبرة وحديثي العهد، وهو ما يتيح فرصة التدريب وكسب الخبرة ثم الانصهار في العمل، بغرض اتساق الأوضاع إن اتسقت.

نقول إن اتسقت؛ لشعورنا بهواجس لا بد من ذكرها أو بعضها، الأهم هنا من ذلك ما يخص القدماء والمستجدين على حد سواء.

فالقدماء الذين يجب معرفة التراكمات التي اختزنوها وكيف سيكون عملهم من خلالها، فالبعض مثلًا لم تتح له فرصة تقديم ما كان يأمل القيام به لوجود عراقيل حسب تصورهم، ربما تزول ويحققوا في مرحلة جديدة ما كانوا يصبون إليه، وقد تخلصوا من الأسباب المعرقلة التى حالت دون ذلك، وهنا يلزم التوقف عند هذه الحالة وتشخيص ما إذا كانوا يحملون أجندة تخالف أو توافق المصلحة المؤسساتية العليا.

هاجس آخر يخص الأفراد حديثي العهد بالعمل الإداري والذي يعاني بعضهم حالة انتفاخ، أو أن لديهم وهمًا بامتلاك القدرة على العمل الإداري دون سابق تجربة الخطأ؛ فيتفاجؤون بأن المهمة ليست سهلة إطلاقًا مع الافتقار للمؤهل، للقدرة، والخبرة فيفشلون في الامتحان، والقليل منهم من يصمد ويثابر حتى يجتاز هذه المرحلة، ويهضم العمل وينطلق فيما يبدؤون في التماس الأعذار لغيرهم ويكونون أشخاصًا آخرين واعدين يشكلون نماذج إدارية مستقبلية مقتدرة.

هاجس آخر وأخير وأهم، وهو ما يجب التركيز عليه، حيث إننا وللحقيقة نعاني عدم وجود قيادات إدارية حقيقية لديها المقومات والقدرات الكفيلة بالاعتماد عليها للسير بالمراكب إلى شواطئ الأمل والأمان.

فعلى مدى عقود ونحن نعاني هذا الشح، حيث نلجأ إلى الاجتهاد أو الترشح العبثي الدارج غالبًا، ويخدم ذلك طرق الترشيح المقننة والجامدة والتي لا تواكب المرحلة، وهو ما يجعل بعض الوجوه القديرة تعزف عن هذه الأعمال التطوعية خوف الفشل أو عدم النجاح من الخطوة الأولى، ما يؤدي إلى أن تصبح هذه الجهة أو تلك رهينة الرتابة والعمل كيفما اتفق بلا خطط مدروسة ولا نتائج ملموسة، فهي مثل الميت سريريًا في انتظار إعلان الوفاة.

الأفراد القياديون الحقيقيون مطلب أساس لإدارة نموذجية فاعلة، مهما كانت قدرات الأعضاء المهيكلين في جسم الإدارة، فمؤسسة بوجود قائد صاحب مقومات نافذة يستطيع فيها إدارة المقدرات والموارد وما يتفرع منها من خطط واستراتيجيات وأهداف، هي من سوف تتحقق من خلالها التطلعات.

لا يمكن الاجتهاد في اختيار القيادة وكيفما اتفق بل تجب الجدية في التشخيص والتمحيص، وهذه مهمة يجب أن يقوم بها ذوو الشأن من خلال وضع شروط أكثر جدية، لمن يريد قيادة جهة خدمية تطوعًا، وبالذات تلك التي تخص الأعمال الخيرية، وهي ما تعنى بمصلحة المواطن، أو جهة رياضية تهتم بالناشئة والشباب.

ليس كل من عمل وخدم إداريًا يصلح لأن يكون قائدًا أو لا يصلح، وليس كل جديد لا يصلح للقيادة أو يصلح، فكل ذلك يجب أن يوضع تحت مشرط الشروط. نعم هناك من يصلح لأن يكون رئيسًا ولكن ليس قائدًا، والفرق كبير بين أن ترأس جهة تنفيذية وعليك قيادة، وبين أن تدير جهات تنفيذية وتراقب عملها وتحاسب عليه، بشرط تحقق مطالب القيادة الأولى.

على كل مؤسسة أن تتخلص من بعض القيادات الضعيفة، والتي لا تملك حتى القدرة على اتخاذ القرار، وهي في الحقيقة تهدر الوقت والطاقات والمقدرات، وتعبث من حيث تدري ولا تدري، وهي تسير على غير هدى، وتنحدر بالكم والكيف والمكان والزمان إلى منحدر الخطر والضرر.



error: المحتوي محمي