رحلة التحول الرقمي

بداية أكرر الدعوة لأهمية الاحتفاء بمرور ربع قرن هذا العام على دخول الإنترنت للمملكة، وهي مناسبة مهمة لقياس مراحل التطور التي أسهم فيها دخول الإنترنت للمملكة على مختلف الصعد، وهي محطات مهمة مر بها قطار التطور التقني في المملكة إلى أن وصلنا إلى إنشاء اللجنة الوزارية للتحول الرقمي ثم إنشاء وحدة التحول الرقمي عام 2017م، لتبدأ مرحلة أخرى أسهمت في عملية التحول الرقمي الذي نراه على مستوى مختلف الأجهزة الحكومية.

وسط هذا الزخم من الجهود الحثيثة، إلا أنه مازالت بعض الملاحظات التي تقع فيها بعض الأجهزة الخدمية؛ فتفسد جهودًا تبذل، وتمنع الاستفادة من القيمة المضافة المستحقة والقفزات النوعية المرجوة، لمواجهة التحديات المعاصرة والمستقبلية وليس المقارنة والنظر للوراء الذي تم تجازوه.

أستطيع تلخيص الأخطاء “بل الخطايا” التي يمكن أن يلاحظها المستفيد في ثلاث نقاط، الأولى: نقل الإجراءات التقليدية السابقة كما هي إلى البيئة الرقمية، فتكون العملية أشبه بأسلوب عملية النسخ واللصق، فتصبح العملية عبارة عن محاولة تطويع التقنية والتحول الرقمي لخدمة الأسلوب القديم وليس العكس، لتكون النتيجة في أبسط صورها هي زيادة إجراء إضافي وخطوة إضافية للنمط القديم بمعظم سلبياته، فتظهر عقبات جدية، وتختفي كل الإيجابيات المتوخاة من التحول الرقمي.

النقطة الثانية: وهي متصلة بالنقطة الأولى، وهي عدم الالتزام بتصميم التطبيقات والشاشات الخاصة بالمستفيدين من الخدمة بشكل سلس وسهل، مستفيدًا من المزايا التقنية التي بإمكانها اختصار وإلغاء الكثير من إجراءات في النمط السابق، ومراعيًا تباين مستوى المستخدمين، حتى لا يضطر المستفيد لدفع مبالغ معينة لآخرين؛ لتعبئة بيانات طلب خدمة إلكترونية.

النقطة الثالثة: تفعيل الدعم التقني والإداري بالشكل الذي يواكب توقعات المستفيد النهائي من هذا التحول، فمع كل تطور أو تغيير ترتفع التوقعات، فلا يمكن مقارنتها أو مقارنة الأداء ما بعد التحول بما هو قبله، بل يجب أن يكون بين مدتين زمنيتين خلال التحول نفسه. وهنا نشير إلى أهمية عنصرين هما: إتاحة الخدمة على مدار الساعة، وقياس مدة خروج الخدمة بأدوات ومعايير مقبولة تقنيًا، والعنصر الأخر الدعم الإداري الذي يضمن إعادة هيكلة وتنظيم وتأهيل الموظفين حسب ما تتطلبه المساندة بعد التحول، وليس الحفاظ على الوضع السابق، وكأن التحول الرقمي لا يشمل الموظفين أيضًا. وهناك نقطة مهمة وهي أن التحول الرقمي (بالتجربة) لا يلغي أو يقلص عدد الموظفين بقدر ما يعيد توزيعهم وتغيير مهامهم، وهو ما يعني تقديم خدمات أكثر لعدد أكبر من العمليات اليومية وبجودة أعلى.

إن تجربة تطبيق “أبشر” ورحلة التحول الرقمي التي بدأت منذ 2005م هي تجربة ملهمة، فقد بدأ بتقديم عدد من الخدمات الإلكترونية التي كانت حينها تطورًا كبيرًا، ها هو الآن يقدم ما يزيد على 250 خدمة إلكترونية مختلفة بمعايير وجودة عاليتين تفوق التوقعات، مكّنتاه من تقديم مستوى متقدم من رضا المستفيدين.

إن التحول الرقمي هو المنصة الأحدث والنموذج الأبرز حاليًا؛ لتحقيق التكامل التقني بين مختلفة الجهات والقطاعات الحكومية، ويمكننا أن نوثق بداية بروز هذا التكامل من خلال خدمة الدخول الموحد لمختلف المنصات الحكومية.

إن الطموح والمتوقع أن يكون قريبًا – إن شاء الله- التحول لتقديم الخدمة التي تتطلب مشاركة عدة جهات، تكون من خلال منصة واحدة فقط بدلًا من التنقل بين مختلف المنصات، وكأنها نسخ للنموذج القديم عندما كان المستفيد يحتاج للتنقل من جهة لأخرى لإنهاء خدمة معينة.

التحول الرقمي هو تحول جوهري ونقلة نوعية، تطلبت رؤية عميقة مدعومة بجهود سخية وعظيمة، لذا فالطموح عادة ما يكون كبيرًا أيضًا.



error: المحتوي محمي