هجر (الزارة) وساحل هجر .. كيف استطاع الباحث الجنبي نقل حصن المشقر من الزارة بالقطيف إلى جبل قارة بالأحساء؟!

كيف استطاع الباحث الجنبي نقل حصن المشقر من الزارة بالقطيف إلى جبل قارة بالأحساء؟!

معتمدًا على رواية موضوعة ومزادة من قبل جامع روايات يسمى القطيعي اشتهر بزياداته حتى عرف بجهله كما سنبين هنا.

استطاع الأستاذ الجنبي نقل المشقر من ساحل هجر إلى الأحساء، وفي قمة جبل قارة اعتمادًا على رواية خاطئة، عن طريق جامع حديث غير موثوق فيه وعرف بتلاعبه في الروايات المنقولة، حتى قيل عنه جاهل بسبب كثرة الموضوعات في الروايات التي نقلها، ومع الأسف كان هذا الرجل -الذي عرف بجهله- بالنسبة للأستاذ الجنبي منقذًا وقال في كتابه “هجر وقصباتها الثلاث” عن الرواية التي أخذها عن القطيعي: “هذا الحديث سد نقصا خطيرا” بالرغم من أن هذه الرواية الموضوعة أيضا لم يذكر فيها الأحساء ولكن الجنبي تعلق بها كمن يتعلق بقشة للنجاة.

هنا سنبين تخبط الأستاذ الجنبي في التحقيق:

من المتعارف عليه في كتب التاريخ أن قصبات هجر الرئيسة التي من خلالها تعرف موقع هجر هي (المشقر والصفا) ونهر محلم يجري بين هذين الحصنين، وهذا محل اتفاق لدى جميع المؤرخين.

إذا أردنا أن نعرف أين هجر يجب علينا معرفة أين حصن المشقر.

روايات وفد عبد القيس التي حددت حصن المشقر هي رواية مسند أحمد ورواية أخرى في تاريخ المعرفة للفسوي ونذكرها باختصار، قال الفسوي المتوفى سنة 277هـ: “.. قلنا: يا رسول الله وما يدريك ما الدباء والنقير والمزفت؟ قال: أنا لا أدري! أي هجر أعز قال: قلت: المشقر. قال فوالله لقد دخلتها وأخذت أقليدها وقمت على عين الزارة على الحجر من حيث يخرج الماء.. “.

وقال أحمد بن حنبل لمتوفى سنة 241هـ في مسنده: “.. فقال له قائلنا: يا رسول الله وما يدريك ما الدباء والحنتم والنقير والمزفت؟ قال: أنا لا أدري ما هيه، أي هجر أعز قلنا المشقر قال فوالله لقد دخلتها وأخذت إقليدها قال وكنت قد نسيت من حديثه شيئا فأذكرنيه عبيد الله بن أبي جروة قال وقفت على عين الزارة ثم قال اللهم اغفر لعبد القيس إذ أسلموا طائعين غير كارهين غير خزايا ولا موتورين”.

كلا الروايتين تذكر المشقر في الزارة وهي مدينة ساحلية في منطقة القطيف أو ما تعرف بمنطقة الخط قديما، وهذا يطابق قول الخطيب الإسكافي المتوفى سنة 421هـ: “وجاءت بنو تميم لقبض العطاء في حصن بالبحرين يقال له المشقر على البحر”.

وهذا يطابق قول امرِئ القَيْس:
فإنْ تَمْنَعوا مِنّا المُشَقَّرَ والصَّفا
فإِنَّا وَجَدْنا الخَطَّ جَـمًّـا نَـخـيلُـهـا

إلا أن الأستاذ الجنبي لم يعترف برواية مسند أحمد ولا برواية الفسوي وخالف قول الخطيب الإسكافي وقول امرئ القيس واتجه نحو رواية القطيعي، حيث مسلمات البحث لديه أن حصن المشقر يجب أن يكون في الأحساء وليس في الزارة بالقطيف لهذا بحث جهده ووجد رواية في كتاب فضائل الصحابة ينسب هذا الكتاب إلى روايات مجموعة من روايات أحمد بن حنبل وكان يفترض أن تكون هذه الرواية في كتاب فضائل الصحابة مطابقة لما ورد في كتاب مسند أحمد بن حنبل لأنه المصدر الرئيس لكتاب فضائل الصحابة، ولكن الرواية في كتاب فضائل الصحابة تختلف تماما عن رواية مسند أحمد بن حنبل وتفرق بين الزارة وهجر وخالفت الروايتين في مسند أحمد وفي كتاب تاريخ المعرفة والتاريخ للفسوي.

وهذه الرواية الموضوعة التي حصل عليها في كتاب فضائل الصحابة هي: “.. وقال أي هجر أعز؟ قلنا المشقر فقال والله لقد دخلتها وأخذت إقليدها، أي الخط أعز؟ فقال: الزارة فقال: فوالله لقد دخلتها وأخذت إقليدها، قال: وقد نسيت من حديثه شيئا فأذكرنيه عبيد الله بن أبي جروة قال: وقمت على عين الزارة”.

ويلاحظ أن سياق الحديث في الرواية التي وردت في فضائل الصحابة غير متجانسة حيث كان السؤال فيها عن أي هجر أعز، وأي الخط أعز، بينما في العهد النبوي كان يطلق على المنطقة كلها هجر نسبة للمدينة الرئيسة هجر، والخط والقطيف والزارة قرى في هجر كما أن سياق الجواب في هذه الرواية واحد، وفيها تكرار حيث السؤال أي هجر أعز وكذلك أي الخط أعز، والإجابة واحدة ومكررة وهي “والله لقد دخلتها وأخذت إقليدها” وبهذا يتبين عدم التناسق والزيادة التي جاءت في رواية كتاب فضائل الصحابة وذلك بسبب أن كتاب فضائل الصحابة ليس من عمل أحمد بن حنبل بل من قام بجمع هذه الروايات في هذا الكتاب فضائل الصحابة هو أبو بكر القطيعي واشتهر هذا الرجل بزيادات كثيرة وضعها على أحاديث أحمد بن حنبل وبالرغم من التدليس الواضح في هذه الرواية اعتمدها الجنبي وعدها منقذا ليتجنب رواية مسند أحمد ورواية الفسوي ويخطئهم ويصحح رواية القطيعي لتكون هجر ليس الخط وقال الجنبي في كتابه هجر وقصباتها عن هذه الرواية الموضوعة والمتلاعب فيها:”هذا الحديث سد نقصا خطيرا”.

مع الأسف بهكذا تحقيق مضحك وخطير ترك الجنبي روايتين وأخذ برواية واحدة مزيفة زيد فيها علما بأن هذه الرواية يفترض أن تكون مطابقة لما جاء في مسند أحمد ولكن سبب هذا التلاعب في الرواية هو جامع كتاب فضائل الصحابة وهو أبو بكر القطيعي.

من هو أبو بكر القطيعي صاحب هذه الرواية الخطأ في كتاب فضائل الصحابة:
هو أبو بكر بن أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، وسمي بالقطيعي كما ينقل نسبة إلى محلة ببغداد تسمى بالقطيعة، ولكن وجدت في كتاب مناقب آل أبي طالب، لابن شهراشوب يذكر لقبه بالقطيفي وليس القطيعي والله اعلم.

ولد القطيعي سنة 274هـ وهو جامع كتاب فضائل الصحابة لروايات أحمد بن حنبل بينما توفي أحمد بن حنبل سنة 241هـ أي أنه لم يره ولكنه تلميذ ابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل.

رأي ابن تيمية في الزيادات والموضوعات في الروايات الواردة في كتاب فضائل الصحابه قوله: “ثم زاد ابن أحمد زيادات وزاد أبو بكر القطيعي زيادات وفي زيادات القطيعي أحاديث كثيرة موضوعة فظن ذلك الجاهل أن تلك من رواية أحمد”.

مع الأسف أن الزيادات والموضوعات التي كتبها القطيعي (الجاهل) أصبحت مصدرًا رئيسًا يعتمد عليها الأستاذ الجنبي في تحقيقة واعتمد عليها في إبعاد المشقر عن قرية الزارة في القطيف.

هذا شيء من طريقة التحقيق لدى الجنبي أما طريقة الجنبي في تحديد حصن المشقر فوق جبل قارة فيلاحظ فيها الاجتهاد الشخصي الذي اعتمد فيه طريق التخمين المضحك وسنوضحه لاحقا..



error: المحتوي محمي