هل كنت حاجًا؟

{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}

وانتهت أيام فريضة الحج، فهناك من كتب من حجاج هذا العام بروحه وجسده، وهناك من كتب من الحجاج بروحه، وهناك من وصل وطاف وسعى وبذل المال وتحمل عناء السفر ومشقته؛ ليصل إلى بيت الله بجسده فقط، إلا أن روحه لم تصل معه، لم تُحلّق مع الملائكه التي تطوف حول العرش، لم يستشعر عظمة هذه الأيام وهذه المناسك، ولم يعرف ثمن خطواته وأنفاسه في تلك البقاع الطاهرة.

يلتفت إلى الماديات ويشغل فكره بها، فينتقد المكان والطعام والنظام، وقد تطول انتقاداته من هم حوله من حجاج، أو من هم يقومون بالعمل على راحته، متناسيًا أن الحج هو هجرة إلى الله، هو أنس بلقائه، ويكفيه القليل من الزاد والراحة؛ ليتقوى بهما على العبادة للوصول لمعشوقه، والتقرب منه وينعم بذكره وطاعته.

الحاج المهاجر إلى الله بروحه هو من يستشعر نعم الله عليه من أول لحظة وُفّق فيها لأداء هذه الفريضة واختاره الله سبحانه وتعالى دون غيره من المسلمين، إلى أن يرجع إلى دياره سالمًا وقد غفرت ذنوبه وخرج منها كيوم ولدته أمه. حينئذ يستشعر هبات الله ونفحاته التي تشمله وأهله وولده فتطمئن بها روحه وقلبه.

هو مع الله لا يفتر عن ذكره وعبادته، يغتنم كل لحظة من لحظات هذه الأيام المباركة، يأنس بالقرب من معشوقه، ويتلذذ بمناجاته والحديث إليه.

يرى جمال الله في كل شيء، في اليسر والعسر، في الشدة والرخاء، وفي الضيق والفرج يستقبلها بصدر رحب ونفس راضية بما كتبه الله، يرى أن الخلق عيال الله فيعاملهم بما يرضي الله؛ يتغاضى عن أخطائهم ويعفو عن زلاتهم، بل يقدم كل ما لديه من استطاعة لخدمتهم، فالحج فرصة لتربية النفس وتهذيبها وترويضها على الصبر والتحمل، وترك ملذات الدنيا للوصول إلى القرب الإلهي، ليسمو بذاته للكمال، تاركًا كل ما تتعلق به النفس وتلهو به وتشغله عن ذكر الله.

يطوف ويسعى بكل كيانه، فيرى عظمة الله وجلاله بعين بصيرته وبكل مشاعره؛ مستشعرًا فقره وضعفه وقلة حيلته بين يديّ رحمة الله، معترفًا له بذله ومعصيته، ملتمسًا عفوه ومغفرته، طالبًا من كرمه العتق من النار والفوز برضاه وجنته.

ونسأل الله أن يتقبل من جميع الحجاج فرضهم، ولا يجعله آخر عهدهم به.



error: المحتوي محمي