شهدَ القرآنُ الكريم على كرم سيدنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) إذ حين جاءته الملائكة لم يسألهم، كما في بعض عادات المجتمعات: هل أنتم جياع؟ هل آتي لكم بطعام؟ ماذا تأكلون؟ بل على سبيل العجل جاء بعجلٍ شهيّ سمين، حنيذ، مشويّ على الصخور إلى جنب النَّار دون أن تصيبه النار، أنضجه شيئًا فشيئًا، وجاء به يقطر سمنًا وماءً! وجبة أكلٍ وصفها القرآنُ وصفًا رائعًا يسيل له لعاب الجائع!
يعلّمنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) أن من آداب الضيافة أن يعجل المُضيف للضيفِ بالطعام، على الخصوص إذا كان الضيف مسافرًا متعبًا فذلك أولى بالإسراعِ والتعجيل بالطعام، ليحصل الضيفُ على قسطٍ من الراحة بعد أن يستمتع بالأكل! جاء الخليلُ بعِجلٍ كامل غير منقوص، يكفي طعامًا لكلّ الضيوف والحاضرين، مع أن الزائرين من الملائكة كانوا أفرادًا قلة!
من عادات أهل القطيف ألا يسألوا الضيف إن أراد الأكل أم لا! يقدمون ما توفر لديهم، وجرت العادة أن يقدموا للضيف أجود ما يطعمون أهليهم. لعل البعض تصيبه نوبةٌ من الضحك إذا قلتُ له: كان الناس في صالونات الحلاقة قديمًا يتسابقون في دفع أجرة الحلاقة عن بعضهم بعضًا، وثمن وجبة الطعام في المطعم أو المشروب في المقهى، يدفعه من يأتي قبلا، وأجرة السيَّارة الكل يصر أن يدفعها عن الآخر! وقد يطول الجدل أحيانًا مدة طويلة على من يدفع كلفة الطعام أو أجرة السيارة! هذا النوع الفاخر النادر من الكرم لا يزال موجودًا، وإن ضعف كثيرًا عما قبل!
اختصصتُ أهلَ القطيف بالذكر لأني أعرف عاداتهم، وإلا عادة الكرم أصيلة وافرة في أغلب مجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميَّة. لم أشاهدها كثيرًا في الغرب، ولا في بعض المجتمعات الأخرى. هناك في الغرب الكل يتكفل بمصروفه، لا أحد يسأل أحدًا عن شيء من أمور الضيافة، لا تستغرب إذا حصل حساب بين الأصدقاء الخلّص والأقارب! فيهم من يقاضي ابنه أو ابنته من أجل القليل من المال! على العكس من مجتمعاتنا، لا يمانعون أبدًا أن يدفع غيرهم فاتورة الطعام وغيره، وربما الضيف من يدفع فاتورةَ الطعام!
أضفى الإسلام على الكرم سماتٍ ومعاني جميلة، أثنى على الأسخياء وذم البخل والبخلاء. يروى عن رسول الله (صلى اللهُ عليه وآله) أنه قال لعدي بن حاتم: “دفع عن أبيكَ العذاب الشديد، لسخاء نفسه”. وقال الإمام علي (عليه السلام): البخل عار.
يبقى عنوان الكرم في مجتمعاتنا البساطة والأريحية، لا يثقل الضيفُ على المضيف، ولا يتكلف المضيفُ للضيف إنما “الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوبِ أهل البيت”.