ملاعبنا أمس وملاعب اليوم!

معاذ الله أن يظنّ القارئ الكريم أنني أمجّد الحياة قديمًا أو أفضّلها على هذه الفترة حينما أقارن بين الماضي والحاضر. العكس تمامًا، الحياة كانت شاقّة خشنة في صغرنا في كثيرٍ من نواحيها. هذه المقارنات من أجل زرع فكرةٍ محددة في طاسة رأس القارئ! ولا أهل ذلك الزمان كانوا أنقى أو أرقى من أهل هذا الزمان. هذا الزمان توفر فيه من العلم ووسائل العلم والرقيّ ما لم يتوفر لأحدٍ من قبل. وهي؛ أي الوسائل العلميَّة، تسير مطواعةً أمام من يريد!

ملاعب أحفادي غرفهم المغلقة وأسرّتهم! لا يخرجون من الغرف المغلقة إلا من أجل الأكل والاستحمام، وبعض الترفيه، مثلهم مثل السجناء في زنازين الحبس المنفرد. ليتهم في هذه العزلة -الافتراضية- يقرأون أو يكتبون أو يخططون لمستقبلهم! إنما يسمعون أصواتًا ويرون أشخاصًا، بعضها فيها من أرواح الشياطين!

ملاعبنا كانت الحقول المفتوحة وفوق رمال البحر؛ جري ولعب حتى يحل الظلام. لا تبقى شحمة في جسم الشاب إلا وتذيبها الحركة والنشاط. تفاعل وعداوات وصداقات، وبذلك تعتدل شخصية الإنسان ويتعلم باكرًا كيف ينافس، كيف يشارك ويتقن أدوات العيش مع الإنسان الآخر. عشرون طفلًا عليهم أن يتدبروا ثمن كرة وقمصان وحوافز رمزية!

بحسب الدراسات الحديثة؛ من أضرار الأجهزة الإلكترونية ميل الأطفال إلى العزلة، وقلة التواصل مع الآخرين، وكثرة المكوث في المنزل، وقلة أو انعدام الأنشطة الرياضية والاجتماعية. على القارئ الكريم أن يتصور الأضرار التي تترصد شبان وشابات هذا الجيل: انخفاض مستويات التركيز، وفرط الحركة، وقصر فترات الانتباه، وصعوبة التواصل مع الأطفال الآخرين، وصعوبة تكوين الصداقات.

ملاعب الحارات الترابية وشطآن البحر، واجتماع الصبيان قبيل الغروب، فريقان يتنافسان والبقية يشجعونهم، صار شيئًا من تاريخ الماضي! وعلينا إيجاد الوسائل البديلة من أجل تعليم أبنائنا وبناتنا الصداقات، والتفاعل الاجتماعي الكامل. في الأيام التي استضفنا أحفادنا، كنت أغرِيهم بالحَديث عن الحاضر والمستقبل وبعض النزهات، وأجزم أن كلّ أب عنده من الوقت في 24 ساعة ولو ساعةً واحدة يقضيها معه الأبناء والبنات في ترفيهٍ حقيقيّ وحوارٍ ماتع!

كل طفل يحتاج إلى ثلاث مراحل تربوية قال عنها النبيّ محمد (صلى اللهُ عليه وآله): “لاعب ابنكَ سبعًا، وأدّبه سبعًا، وصاحبه سبعًا، ثم اترك له الحبلَ على الغارب”. الطفولة، الصبا، والفتوّة، وليس في هذه الوصية دع عوامل خارجيَّة أو المجتمع يقوم بتربيته نيابة عنك أيها الأب!



error: المحتوي محمي