بدأ الإنسان حياته على الأرض، وهو يحاول أن يحمي نفسه من نوائب الطبيعة، وانتهى به الأمر -بعد آلاف السنين- وهو يحاول أن يحمي الطبيعة من نفسه، بعد أن تسبب في إفساد البيئة التي يعيش فيها، وأخلّ توازنها، وجلب لنفسه مشكلات عديدة لم يقدر على تحملها.
فالبيئة بجوانبها المتعددة “التربة، الماء، الغذاء، الهواء” تشغل فكر كل دول العالم واهتمامهم، ويعرّف التلوث البيئي بأنه إحداث تأثير في البيئة التي تحيط الكائنات الحية بفعل الإنسان ونشاطه اليومي، ما يؤدي إلى ظهور بعض الموارد التي لا تتلاءم مع المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي وتؤدي إلى اختلاله.
وحتى نتغلب على مشكلات التلوث البيئي في أي نوع من أنواع الملوثات المختلفة، لا بد من العمل على إيجاد سبل للحد من هذه الملوثات، ونذكر منها: نفايات المصانع والمنازل والمزارع ومخلفات المدن والمواد البلاستيكية ووسائل النقل والمبيدات والأسمدة الكيماوية.
إذن، الإنسان هو المسؤول عن الإخلال بمنظومة البيئة الطبيعية، وعن هدم أركان استقرارها وتوازنها؛ فهو الذي يخترع، ويصنع، ويستخدم، وهو المكون الأساسي لسكان الكوكب.
التلوث بكل أشكاله وصوره يشمل التلوث الكيميائي، التلوث الجيني، التلوث الإشعاعي، والتلوث البكتيري.. واللائحة تطول، ويبدو أنها منفتحة جدًا على المزيد من الملوثات المصاحبة لمسيرة تطور العلوم وحياة الإنسان حتى الوصول إلى تهديد الحياة نفسها. وما ألحقته تلك الملوثات من أضرار فادحة في الأرض والهواء والمياه، والتأثيرات المتداخلة بين أنشطة الإنسان والبيئة والطبيعة على غذاء الإنسان وصحته وعلى بقائه، حتى أصبح التلوث حاضرًا بيئيًا على المدى الطويل.
وتشير دراسة أجراها فريق أبحاث من جامعة كورنيل في نيويورك إلى أن نحو 40 % من الوفيات حول العالم تُعزى مباشرة إلى التلوث البيئي، كما أن التلوث البيئي يعرض حياة ملايين آخرين للخطر من خلال أمراض دائمة واضطربات عصبية، وبالرغم من تلك الأرقام التي تصفعنا دون أن نتعظ، فإننا نستمر في إحداث خلل في دورات الحياة للمواد الطبيعية الموجودة في الأرض، هذا الذعر وهذه المخاطر المحيطة بنا راجعة إلى الملوثات البيئية المختلفة التي تلحق أضرارًا بالغة بالبيئة سواء كانت هذه الملوثات غازات أم عناصر سامة أم مبيدات أم مواد هيدروكربونية أم ملوثات ميكروبية أم فطرية أم غير ذلك، وبات التلوث -اليوم- مشكلة دائمة ومزمنة في العالم، وهو جرس إنذار لا يمكن التنبؤ بمخاطره.
تعد الملوثات سمومًا أولية، وتأثيرها الصحي يتدرج بين حدوث أعراض تسمم حادة إلى آثار صحية مزمنة لا تظهر إلا بعد سنوات عديدة، ويعتمد نوع الأثر الصحي الناتج على كمية الملوث المتواجد في البيئة.
تم تطوير أكثر من 80000 مادة كيميائية واستخدامها وتوزيعها والتخلص منها في البيئة، وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، ونتيجة لذلك أصبحت ملوثات عضوية ثابتة (POPs).
تم استخدام العديد من الملوثات العضوية الثابتة على نطاق واسع خلال فترة ازدهار الإنتاج الصناعي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تم إدخال الآلاف من المواد الكيميائية الاصطناعية في الاستخدام التجاري؛ فأصحاب الشركات والمصانع التي تُعد مسؤولة عن إنتاج سلع لا تخلو من تلوث، تتطلع إلى زيادة أرباحها وتنمية رأس مالها، لكن هل نحن في مأمن من الملوثات العضوية الثابتة؟.
إن الفرق الأساسي بين الفلسفة البيئية وبين الأسلوب المتبع -حاليًا- هو أن البيئة لا تشكِّل همًا أوليًا عند معظم الكيانات الصناعية الكبرى، كما أن الأنظمة والقوانين لا تجبر هذه الكيانات على سلوك بعض الاتجاهات، فبعض الشركات الكبرى تخشى تغيير أنماط عملها؛ لأن ذلك سيكلفها ملايين الدولارات من الأبحاث والتغيير الإداري.
يستلزم تطبيق معايير صارمة لمراقبة الانبعاثات من الكيانات الصناعية، تتضمَّن قياس “الدايوكسينات” وهي مجموعة من المواد الكيميائية الخطرة تُعرف بالملوّثات العضوية الثابتة، وتثير هذه المواد قلقًا بسبب قدرتها العالية على إحداث التسمم إذا ما تسربت إلى عناصر البيئة.
وتتكون “الدايوكسينات” من منتجات ثانوية غير مرغوب فيها؛ نتيجة لعدد من الأنشطة البشرية المشتملة على عمليات صناعية محددة مثل “إنتاج الكيماويات، الصناعات التعدينية”، عمليات الحرق مثل “حرق المخلفات “، وكذلك فإن حوادث مصانع الكيماويات ينتج عنها انبعاثات وتركيزات عالية وتلوث في المناطق المحيطة بها، والمصادر الأخرى للدايوكسينات تشمل المدافئ المنزلية، حرق مخلفات الزراعة، حرق المخلفات المنزلية في الأفنية الخلفية، والعمليات الطبيعية مثل: ثورة البراكين وحرائق الغابات التي يمكن أن ينتج عنها دايوكسينات. المصدر: المواصفة القياسية الخليجية رقم GSO 2279/ 2013
من أسوأ فصول العبث بمقومات الطبيعة عندما تنطلق الدايوكسينات بشكل أساسي في البيئة من خلال الحرق غير المكتمل وغير المتحكم فيه من النفايات الصلبة ونفايات المستشفيات، حيث إنها تترسب موضعيًا على النباتات وعلى التربة وتسبب تلوث الأغذية والأعلاف، كما يمكن أيضًا أن يحدث انتشار واسع للدايوكسينات عن طريق حركة الرياح.
يأتي التعرض للملوثات العضوية الثابتة من خلال تناول الأطعمة مثل: الأسماك واللحوم ومنتجات الألبان، على الرغم من أن التعرض يمكن أن يحدث أيضًا من خلال الاستنشاق وامتصاص الجلد؛ نظرًا لوجود الملوثات العضوية الثابتة في كل مكان، إذ إن التعرض البشري لتلك الملوثات يبدأ قبل الحمل، وأن هذه الملوثات تنتقل من الأم بعد تناول الطعام إلى الجنين عن طريق المشيمة وعن طريق حليب الأم، ما يتطلب التقليل من الدهون في الغذاء خصوصًا من مصادره الحيوانية لاحتوائها على تركيز عالٍ من هذه المواد.
“الدايوكسينات” شديدة السمية يمكن أن تسبب مشكلات في الإنجاب والنمو وتضر المناعة، وكذا التداخل مع الهرمونات المصنعة وهي مادة مسرطنة معروفة للإنسان بمجرد دخول الدايوكسينات إلى الجسم، فهي مركبات شديدة الاستقرار ومحبة للدهون. كما أن أكثر من 90 % من تعرض الإنسان للخطر يحدث من خلال الغذاء، وخاصة اللحوم ومنتجات الألبان والأسماك والمحار، لذا فإن تجنب هذه الأطعمة يمكن أن يقلل بشكل كبير من التعرض لمثل هذه الملوثات.
في عصرنا ثارت موجة من الاعتراضات القوية على استخدام التكنولوجيا الحيوية ذات الأثر البالغ في مستقبل البشرية، وهي تشمل -في تطبيقاتها- الهندسة الوراثية، وإعادة تركيب الحمض النووي، واستخدام البكتيريا والفيروسات والأنزيمات، وزراعة الأنسجة النباتية والأجنة الحيوانية، ونقل الشفرات الوراثية، وقد أسهمت هذه التكنولوجيا في تحقيق تطورات نوعية مهمة وعديدة في المجال الزراعي كالمحاصيل المعدلة وراثيًا، وفي المجال الصحي نما سوق الدواء القائم على الجينات، لكن بالرغم من الفوائد المحتملة لتطبيقات التكنولوجيا الحيوية، فإنها تحولت إلى أسلحة بيولوجية مدمرة، كما أن اللقاحات والعقاقير والعلاج الجيني يمكن أن يكون لها آثار جانبية غير متوقعة، والمحذّر اليوم من مخاطره هو أحد الرواد في اكتشافه : الدكتور هـ . لي . سويني.
فمع الأغذية المعدلة وراثيًا، هناك شاغلان: الأول هو أن تقديم جينات جديدة يمكن أن يجعل الغذاء سامًا، والثاني هو تسببها في التعريف بأنواع جديدة من مسببات الحساسية، وتوجد مخاطر أخرى يمكن أن تتسبب في الإخلال بالنظام البيئي.
ومما يساعد على تفاقم المشكلة وجود عوامل أخرى منها التلوث الإشعاعي، وتشعيع الأغذية، والدقائق المشعة التي تدخل الجسم من خلال الطعام، أو الماء، أو الهواء، ولا يوجد مستوى “مأمون” للتلوث الإشعاعي، وقد تكون تأثيراته دراماتيكية، فيهاجم جميع وظائف الجسم في حالات التعرض الحاد، وغالبًا ما يتسبب في عدد من الأمراض السرطانية نتيجة التعرض الطويل الأمد.
كما تشكل المعادن الثقيلة مثل: الرصاص، والزرنيخ، والكروم، والكادميوم، والنيكل، والنحاس، والزنك التي مصدرها الأبخرة السامة التي تنتجها المصانع، تشكل هذه المعادن أخطارًا صحية مزمنة في الكليتين والكبد وتقرحات في القناة الهضمية، وآلام في المفاصل، فضلًا عن اختلالات في الأجهزة العصبية والتنفسية والتناسلية.
وتعد مركبات الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات واحدة من المركبات العضوية الأكثر انتشارًا في البيئة، وتتكون نتيجة الاحتراق غير الكامل للمواد العضوية مثل: الفحم والخشب والديزل والدهون، ومن أهم مصادر هذه المركبات في البيئة نواتج محركات الديزل والبنزين ومصافي تكرير البترول ومثال لها: النفثالين والبنزوبايرين والأنثراسين، وقد تتكون مركبات الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات في الأغذية أثناء عمليات الإعداد والتصنيع، فتتشكل أثناء المعاملة الحرارية وخلال عملية استخلاص الزيوت، وتصنف هذه المركبات على أنها أكبر مجموعة كيميائية ملوثة ومسببة للسرطان وأكثرها انتشارًا.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فمنذ بداية القرن العشرين شاهدنا تحولات في العادات ومتطلبات الحياة مما يجعلنا عرضة للملوثات المختلفة، وهي قضية من أهم قضايا الصحة العامة، وهناك تساؤلات تثار دائمًا حول ملوثات المزارع والتي يأتي معظمها نتيجة إساءة استخدام المبيدات الزراعية، وكذلك الأسمدة الكيميائية، والهرمونات، ومنظمات النمو والكيميائيات الزراعية الأخرى، وكذلك عند استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وقد تقود لأخطار صحية لا يمكن علاجها أو تلافي أخطارها، وقد تكلف الصحة العامة ثمنًا باهظًا!! ويمكن ربط الإعياء والكسل وفتور الهمة والصحة الهزيلة ربطًا مباشرًا بوجود بقايا من تلك الكيماويات؛ فمن المستحيل أن يعيش الإنسان اليوم حياة تخلو من الملوثات، أصبحت مشكلة تلوث الغذاء والبيئة خطرًا يهدد الجنس البشرى، بل يهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات، فكل طعام نتناوله يحتوي على ملوثات كيميائية، وبات مأخوذًا بالعيش على الأغذية المصنعة وأصبح الاستغناء عنها ضربًا من المستحيل، وشركات التصنيع الغذائي تستخدم المضافات الكيميائية الخطرة على نطاق واسع، لقد فاضت أسواقنا بالسلع الفاسدة، ودخلت على موائدنا كل أصناف الأطعمة المتخمة بالملوثات التي نحن في غنى عنها، فكل شيء أصبح مباحًا أو صار أمرًا مألوفًا؛فجميع الأشياء التي نتناولها تعد مخالفة للطبيعة، والتحدي يكون أكبر حينما تبدأ باختيار ما ستأكله وأنت تشعر بأن الملوثات تلاحقك وتهددك، بل ربما الموت لا سمح الله، ومن جهة أخرى نجد العلماء يخبروننا بأن التلوث الزراعي يأتي أساسًا نتيجة الإفراط في استعمال المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية في الزراعة وبشكل عشوائي في كثير من الأحيان.
الماء الذي استخرجه الرجال الأقدمون من الأرض الخالصة، تسامى واختفى إلى الأبد، وتعرض الماء لمعالجات صناعية مثيرة للجدل، نتج عنها مواد خطرة مثل برومات البوتاسيوم الملوثة التي قد يتراكم الفائض منها في الكليتين مسببًا-على المدى الطويل- السرطان. كما أن المعالجات الجائرة، والتلاعب في عناصره أفقدت الماء خاصيته الأساسية، فلم يعد يروي العطش، ولم يشهد أجدادنا مثل هذا الماء، وتحول الماء الحي ماء أجدادنا إلى تركيبة كيميائية لإبقاء الإنسان على قيد الحياة دون فائدة صحية. إن لهذه الهمجية القاسية ومخاطرها الصحية الكبيرة علاقة ببعض الأمراض المستعصية.
إذن، حين نتعامل مع الغذاء، فإننا لا نتعامل مع مادة مصدرها الطبيعة، وإنما مع مجموعة ضخمة ومتنوعة من المواد الكيميائية المضافة، كل مادة منها أو مجموعة مواد متشابهة، تسلك سلوكها الخاص، ويكون تأثير الغذاء الذي يضمها معًا هو مجموع كل هذه التأثيرات؛ فالكيمياويات تدخل الجسم كمواد غذائية لكنها تصير موادًا خطرة حين يبدأ الكبد في التخلص منها وتدميرها.
اليوم، ونحن في القرن الحادي والعشرين، وبعد أن عمت الأمراض؛ توجهت أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة وحظيت متشابكات العلوم والتقنيات الحديثة بالحظ الأوفر من التهم، ولكن ما أسباب هذه النقمة التي تجتاح العالم حيال المظاهر التقنية؟ أليس من المفترض بالتقنيات أن تسهِّل حياتنا وتجعلها أكثر رفاهية؟ علماء التغذية والنشطاء في حقوق التغذية والداعمون لوسائل الزراعة التقليدية يرفضون الحلول التي تعتمد على التكنولوجيات الحديث،إذن التقنيات الحديثة قلبت الأرض وحرثتها لتدفع لنا بإنتاج غذائي مهول أفرزت فيه شيئًا من سمومها هي حصيلة سلوكيات وممارسات ومواقف وماديات تجمعت في الغذاء لتحرمنا من بهجة الحياة، وتأثير التقنيات في حياتنا أمرٌ ظاهر ولا يحتاج إلى شرح، ولعل من أهم آثارها تلك التغيرات التي طرأت على الغذاء.
إن سياسة الوقاية من التلوث هي تلك التي ترمي إلى إحلال التقنيات التي لا تحدث تلوثًا محل تلك التي ينتج عنها أنواع من التلوث، وما تشهده الزراعة وصناعة الغذاء في هذا العصر الذي نعيشه، وما نتوقعه مستقبلًا من تطورات وتقنيات علمية، لمواجهة الطلب المتزايد من سكان الأرض على الغذاء، قد خيَّبت الآمال والتوقعات؛ فخبراء الزراعة والبيئة والتغذية يرون أن صناعة الغذاء تواجه مخاطر صحية وبيئية، ومستقبل غذائنا أصبح ينتج في المختبرات، وأخذ الجميع يتحدث عن كيفية تجنب التلوث وحفظ الموارد الطبيعية، بجميع شرائح المجتمع وطبقاته، فكل المستويات تتحدث عن الغذاء الحي الذي يمثل الطبيعة نفسها، لم تدخل إليه المواد المصنعة أو الأسمدة أو الهرمونات وغيرها مما يستخدم هذه الأيام، وهذا يمكن الحصول عليه من الطبيعة الريفية، في الخضار والفواكه المزروعة في الحقول والدواجن والمواشي التي تأكل مباشرة من الأرض العذراء وتسقى من مياه نظيفة غير ملوثة، وهي محاولة إرجاع الإنسان إلى الغذاء الصحي الذي كان يأكله آباؤنا وأجدادنا كل يوم، وشكلت القوة الخاصة بهم وحمايتهم من التسممات أو الفساد.
ولكن ماذا عن أولئك الأشخاص الذين ينظرون للمشكلة من جوانبها الصحية والبيئية؟ أصبح لديهم توجه لتلافي استهلاك الأغذية التي مورست عليها التكنولوجيا الحديثة، والتي دفعت بهم إلى تبني الأغذية في صورتها الطبيعية أو العضوية. فهل تنخفض عند هؤلاء مستوى الملوثات في دمائهم؟ نعم ، فدائمًا ما يحذر الأطباء من حموضة الدم وتسممه والتي مصدرها الأساسي بقايا الملوثات الكيميائية، فعلى الدم أن يبقى قلويًا وغنيًا بالأكسجين.
كل فرد منا يتعرض للملوثات بصفة مستمرة عن طريق الغذاء والماء والهواء، وخاصة في ظل انتشار الأطعمة المصنعة أو المستخرجة من تربة معالجة بالمخصبات والمبيدات الحشرية، وطرق الطبخ الجائرة، ونمط الحياة السريع الذي يحدث تلوثًا تراكميًا متزايدًا مع الوقت ليصل إلى درجة عدم قدرة الجسم على التخلص من السموم والملوثات وظهور علامات فشل أو إتلاف الأعضاء الداخلية، هي ضريبة يدفعها الإنسان من صحته وحياته.
إننا الآن أمام قوى جبارة تسيطر على طعامنا، وغذاء أطفالنا، لقد خرج القرار من أيدينا
، وأصبحنا نعيش في دوامة الرهبة والخوف من الأغذية المعالجة التي تكتسح أسواقنا، وتبتلع معها صحتنا.
وأخيرًا ، فلأول مرة نشعر أننا مهددون؛ يحيق بنا الخطر، وأن عدّونا المشترك هذه المرة هو ما جنته حضارتنا وما تقترفه أيدينا كل يوم، وسنظل نعاني إلى الحد الذي لا يتصوره الكثير، لقد وفرت تقنيات العصر فائضًا في إنتاج المواد الغذائية، لكنها كانت أرضًا خصبة لانتشار أمراض جديدة، ستكون الشغل الشاغل لأجيال المستقبل، وسيبقى على الجيل الجديد أن يقرر مصير بيئته. والقضية ليست قضية تقنيات وعلوم وتطورها، ولا هي قضية عبث مفرط يؤدي إلى اختلال موازين الطبيعة، القضية هي -في الدرجة الأولى- فلسفية، وتتعلق بنظرة الإنسان إلى نفسه، وإلى دوره في هذا العالم. فهل يدرك الإنسان -قبل فوات الأوان- فداحة المسؤولية الأخلاقية التي تنتظر البيئة الكونية منه أن يتصدى لها وأن يشرع في تطبيق عدالة بيئية تأخذ في الحسبان الآثار المترتبة على الأضرار البيئية بصفتها جزءًا لا يتجزأ من السياسة البيئية الحكيمة القويمة ؟!
قبل قفل ملفنا حول الملوثات البيئية نقول: “قد تكون نظرتنا الخاطفة لمصادر الملوثات التي تحيط بنا مجرد جزء من لائحة كبيرة تتضمن مصادر لم يتم الإفصاح عنها، فلم تكن غايتنا في هذه الجولة أن نحصر الحالات، بل لنحرِّك الوعي بأن ما لا نعرفه قد يكون أهم بكثير مما نعرفه، وأن توخي الدقة والبحث والاستطلاع -وحده- قادر على حمايتنا من الخيبات التي يحتمل اختباؤها خلف كثير من المظاهر البراقة في جهات عديدة ومتنوعة نتعامل معها يوميًا، أو ما يشبه ذلك.
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.