كيف وجدت الكلمة شعوريًا عندما وقعت عيناك عليها؟
قد قرأها البعض، ووجد مشاعر خوف من هذا الحق المحتوم، ولعل الخوف نابع -أساسًا- من رفض داخلي لفكرة الفناء، أو الانتقال إلى مكان آخر ليس عندنا الدراية الكافية عنه، وكذلك من الطبيعة البشرية الخوف من المجهول، أو لعله خوف من عدم الاستعداد الكافي إلى الانتقال ومواجهة الحقيقة بوضوح تام من داخل التجربة.
وقد قرأها آخر وهيجت داخله مشاعر الحزن والأسى والشوق لعزيز حان وقت انتقاله ورحل، والبعض منا على الرغم من إيمانه إلا أنه في داخله يرفض فكرة رحيل هذا العزيز؛ فالشوق يغلب والقلب يحن، والموت مربوط في داخلنا بالفقد.
موت=فقد
فقد=خسارة
ماذا لو غيرنا هذا المعتقد فكريًا ووضعنا له معادلة مغايرة؟
هل من الممكن أن يتغير الشعور تجاه الموت؟
المعادلة ليست خداع العقل بفكرة مختلفة
من أجل الشعور بشكل أفضل تجاه الموت، لا..
إنما هي زرع معتقد جديد عميق وإيجابي يستحق منا كمؤمنين التأمل فيه حتى ينمو تدريجيًا ونحصد ثماره في نفوسنا.
الإنسان مخلوق في دار فناء، لكنه خالد لا يفنى،
فقط ينتقل من عالم إلى آخر بمشيئة إلهية، أما الأرواح إذا فارقت الأبدان، فهي باقية منها منعمة، ومنها معذبة إلى أن يردّها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها، والموت عبارة عن قطع العلاقة بين الروح والبدن.
إذن،
الموت=انتقال
انتقال =مكان جديد
هذه المعادلة التي يدركها العقل تمامًا، ولكن هل نستشعرها؟
وهل في حال تغير معتقداتنا عن الموت يذهب الخوف والحزن؟
الخوف -هنا- يعد شعورًا سلبيًا، يمنع تطور الإنسان وإذا ازداد دمر صاحبه، وذهبت الطمأنينة والراحة وحل محلها القلق وعدم الاستقرار، وقد يصاحب الخوف أمراض جسدية ونفسية تلازم الإنسان وتسلبه الراحة.
ولكي نتجاوز الخوف، لا بد من تقبل وجوده ثم الانتقال إلى مرحلة المواجهة وإضعاف كل المسببات وراء هذا الشعور “عرّض نفسك لأكبر مخاوفك، بعد هذا لن يكون للخوف سلطان عليك” اسأل نفسك ماذا لو ..؟
أما الحزن فهو شعور طبيعي، حينها لا بد أن يأخذ وقته ونعيشه، إلا أنه لا يجب أن يطول ويؤثر على حياتنا وعملنا وحياتنا الأسرية وعلاقاتنا، وقد يقودنا إلى الاكتئاب.
وبما أننا هنا في الدنيا، وقد أعطانا الله علمًا بالرحيل منها، وأرشدنا بمعلومات واضحة في كتاب موثوق منزل من عنده عن كيفية الانتقال ووصف مفصل -إن أردنا- عن العالم الآخر، وكيف نصل إليه، وكيف يكون، وترك لنا حرية الاختيار بعد الإرشاد، فما النتيجة عندك وأنت بين يديك خارطة الطريق كاملة.
ولماذا قدر الله أن تعيش هذه التجربة أصلا وهي مؤقته؟
لو تفكرنا قليلا لوجدنا أن الروح جاءت على أساس الفطرة السليمة، إلا أن التجربة الأرضية وضعت معتقدات لا تخدم التطور الروحي، وشوهت مشاعر فطرية أساسية، وبنت عوائق بيننا وبين الخالق؛ ما أدى إلى انحراف جزء من فطرة روح المؤمن، الذي أعطاه الله فرصة التجربة الأرضية؛ليتطور ويصحح ويرجع في اختياره وإرادته وسعيه إلى هذه الفطرة بتزكية النفس وتطهيرها والسير على خطى محمد وآل محمد، وبرحمته يعطي الدروس والاختبارات ليساعد بها العبد في الارتقاء والوصول.
أما عن سبب الانتقال، فيقول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}، فليفعل الله بنا ما يشاء وليأخذ منا ما يشاء، ولترضى النفس ولتطمئن الروح؛ فإنّا إليه راجعون، وإنا إلى لقائه لمشتاقون.