اعذرني خوك.. فقد حان الوداع

كنت مسافرًا حين وصلني فجأة قبل سنين خبر وفاة إنسان لا يعوض عندي بغيره، وهو أخي الرائع الأستاذ حسن أبو الرحى مدير مدارس الخط رحمة الله عليه. وكم ارتبكت وخرجت عن المألوف وأنا أراني أخسر ذلك الإنسان المختلف والذي وإن كان لا يزال يعيش بقلبي وتؤنسني ذكرياتي وعشرتي الطويلة معه، إلا أن الحقيقة الشاخصة أنه قد مضى لربه وهو ما يبعث على الحزن والألم الدائمين.

واليوم الجمعة وقبل عيد الأضحى بيومين وأنا أحزم حقائب السفر يفاجئني القدر بوفاة صديق العمر بطوله وعرضه، يومًا بيوم وساعة بساعة ولحظة بلحظة، من الطفولة البكر وحتى الفراق المر والذي أتذوق مرارته لمرة صعبة أخرى، وهي مرارة فراق الأصدقاء الخلص، والذين عفا عليهم الزمان وبقيت صداقة المجاملات والمصالح.

محمد علي الخاطر؛ أبو علي رحمة الله عليه. رجل مختلف تلبسني وتلبسته مذ وعينا على الحياة، وأكاد أجزم أنني لم أختلف معه إطلاقًا طوال عمرينا، والغريب أنه رغم مشاغل الحياة والتي أثرت على تلاقينا لم يمر علينا أسبوعٌ أو شهرٌ على أبعد تقدير دون أن نلتقي إما صدفة أو في مناسبة أو بزيارة مفاجئة أو بالمواعدة.

إنسان يرتدي ثوب الإنسانية بكمالها وجمالها وأناقتها وصدقها. إنسان جعل للحياة معه معنىً آخر. وللثقة مفهومها الحقيقي وللأخوة مثالًا مختلفًا، كيف لا وهو الذي لم يكن يناديني بغير “هلا خوك.. سلام عليكم خوك” وإذا زاد العيار كان يطربني “أهلًا حبيبي يا بعد قلبي أبو عبدالله”، وقبل ذلك ينادي بكنيتي الأولى باسم ابنتي الكبرى.

أعيش اللحظة الصعبة وأنا أسطر هذه الكلمات باختصار فالوقت لا يسع، ولا الحيز المتاح هنا للكتابة عنه يكفي وهو مما لا يهم القارئ ولكن حقَّ عليَّ أن أذكره هنا وأثني عليه وأعزي نفسي وأهلي وهم حرمه وأولاده وخاصة الدكتور علي وإخوانه وأخواته وذويه جميعًا والذين أعرف أنهم سيفتقدونه كثيرًا، حيث إنه كان ربًا لأسرة بحق وحقيقة، مما سوف يسبب شرخًا صريحًا وصدعًا واصحًا أتمنى وأدعو أن يتجاوزوه، لأن فقيدنا أولًا عماد أسرة بصدق، وثانيًا هو بمثابة الصديق الأول لكل فرد في أسرته، وهذا ما انتهجه معهم وما أشهد به.

ونحن كما مقربين منهم نشاطرهم العزاء، وأخص نفسي بذلك، فلا تزال كلماته تتردد في مسامعي من آخر مكالمة وآخر رسالة وهي في الخميس ليلة الجمعة الأولى من ذي الحجة، ليختمها هذا اليوم الجمعة الثامن من ذي الحجة بخبر فراقه المحزن وهو ما يثبت كما قلت تواصلنا كل أسبوع، ولكن هذه المرة اختلف الأمر، فكأنه يقول لي؛ أعذرني خوك فقد حان الوداع.

رحمك الله يا أبا علي أيها الأنيق الناثر لابتسامتك في كل طريق ومكان وزمان. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.



error: المحتوي محمي