لكونها النواة الأساسية لبناء المجتمعات ومدرسة الأجيال فلا غنى للفرد عن عائلته فهي مدرسة الأجيال والقيم والمبادئ والبذل والعطاء والعشرة والحياة وسره الإلهي وأداة حفظ النسل من الضياع، ينمو الفرد فيها فيكبر بين أحضانها فتكون له حصناً منيعاً وملاذه الأخير الذي لا مفك منه مهما ابتعد وأخذته الدروب وظروف الحياة بعيداً عنها بحياته المستقلة، فلا يكتمل دوره إلا بالانتماء للعائلة والأنس بأفرادها.
قال تعالى في مُحكم كتابه الكريم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [سورة النّحل: آية 72].
قد نجزم بأن الأسرة بكيانها النموذجي الأمثل لا وجود لها وهناك من يرى عكس ذلك بكل تأكيد، وهذا ما أشار إليه العالم بالطب النفسي “ألبرت نويبرجر” مختص علم الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى سانت ماري بلندن “على الرغم من أن جميع العائلات لديها رؤية معيّنة لمفهوم العائلة المثالية، فإنها تمتلك كذلك رؤية مختلفة للمعيار الذي يرتكز عليه هذا المفهوم”، وهو يعكس أن خلافاتنا العائلية وابتعادنا وعدم مبالاتنا بالأجواء العائلية لا يمكن تبريرها باتخاذها ذريعة، في أجواء المودة والإخاء والحب العائلي والعلاقات الإيجابية من الأساسيات وهي ضرورة لتطوير العلاقات والإحساس بالرضا بالتواصل والتراحم مما يساهم في صلابتها وقوة تماسكها أمام ضغوط الحياة اليومية المختلفة بالمشاركات الوجدانية والروحية والفكرية والاجتماعية.
ألم يحن الوقت لنا أن نأخذ قسطاً من الوقت للراحة بعيداً عن مشاغلنا الخاصة، وأن ندرك أن السعادة بحضن العائلة تجعلك سعيداً في حياتك، بعيداً عن الأجندات اليومية التي رهنت حياتنا الاجتماعية وأوقاتنا الخاصة، فحياتنا اليومية تمر عبر رحلة يومية مهنية وشخصية عكس عقارب الساعة لعلنا نستطيع أن ننجز مهامنا وأعمالنا التجارية وغيرها وقد لا نصل إلا متأخرين، رغم رغبتنا بالإنجاز والسعادة إلا أننا نفتقد مبدأ أساسياً في أن السعادة لا تتحقق إلا عندما نتعلم تقدير ما لدينا، فالشعور بالرضا والانتماء إلى الجماعة يمنحنا الثقة والأمان والاستقرار، فالأسرة مُشكّلة للإطار العام لأفرادها من عادات وتقاليد وأعراف وقواعد سلوك وعليها تقوم التنشئة الاجتماعية وصاقلة كذلك لشخصيات أفرادها، وكمساهم فعال في تطور ورقي المجتمع ناهيك عن كونها ملبية لاحتياجات أفرادها النفسية والتربوية والأخلاقية والاقتصادية والدينية والثقافية.
قد يتباهى الإنسان بكثرة علاقاته الاجتماعية وصداقاته المختلفة وعلى أعلى المستويات إلا أنها لن تبقى للأبد، فقط هي عائلتك التي ستبقى وتسندك وتستند عليها فلا تنخدع بازدحام العلاقات فعليك أن تستمتع باستغلال لحظات التآلف البسيطة الجميلة معها فهي الوطن الذي فيه ترعرعنا وبين أحضانه كبرنا وهي رأس المال الحقيقي والحاضنة الأبدية والحامي والقاعدة التي نرتكز عليها وعماد يومًا ما نتشبث به من تقلبات الحياة، لما توفره من أمان وراحة وعطف في أي وقت نحتاجه ومنقذتنا من تهديدات الحياة المختلفة. لذا نجد آباءنا وأمهاتنا يرافقهم الحنين للماضي حيث كانت العائلة بأكملها تعيش في مسكن واحد؛ الجد والجدة والأب والأم والأبناء والأحفاد والزوجات أسرة واحدة مترابطة لا ينسون أبداً هذه الأيام التي أسسوا فيها عائلات كبيرة ممتدة والتي تفرّق أفرادها وعاش كل منهم حياة مستقلة، تظل ذكرياتهم حية يتحدثون بها إلى أن يلتحقوا بالرفيق الأعلى، والسبب هي العائلة البذرة الأولى التي ينهض منها الإنسان ليرى الحياة والنور، العائلة الملاذ الآمن والسكينة والأمان والحب والعطف والاستقرار هي الحياة بما فيها من فرح وحزن وتفاؤل وتشاؤم جميع هذه التناقضات تشهدها العائلة ولا تبوح بها أبداً لأنها الستر المنيع والحصن الحصين لأفرادها، فإن كانت عائلتك إلى جانبك فأنت شخص محظوظ فلا تفرّط بهذه السعادة وتعلم كيف تحافظ وتقدر كل لحظة لك فيها. شكراً عائلتي!