المتقاعدون: صحّتكم بالدنيا!

لله الحمد والشكر، أعطانا كسوةً واحدةً من جسد لها صلاحيَّة، وبعد ذلك تنتهي صلاحيتها وتفسد. نعتني بها، نصلحها، نرقعها، كل ذلك تحاشيًا من سنواتِ الآلامِ والأسقام، سنوات الكبر والشيب. علينا أن نعمل باكرًا من أجلِ الهروب من سجون وقيود تلك الفترة، وفعلًا هناك أناس في هذا العالم كثيرون، يعيشون أصحَّاء حتى يتوفاهم الله!

في هذه الخاطرة أخاطب من هم في عمري، الذين يسمون أنفسهم “متقاعدين”، مع أن قواميس اللغة ونواميس الحياة ليس فيها إلا السعي والحركة والإنتاج وأفعال الحاضر والمستقبل.

صحتكم أغلى من الدنيا، والقعود عدوّ شِرّير للجسمِ وعدّو شِرِّير للعقلِ أيضًا! في هذه الآونة ظهرت أمراض للأجسام مدعاها ومنشأها السهر والخمول وقلة النَّشاط والحركة. أما أسقام العقول فحدث ولا حرج! أصبحت وسائل التواصل الاجتماعيّ بديلًا عن الكتاب والقراءة، والمصدر الرئيس للثقافة والعلوم!

عن الإمام عليّ (عليه السَّلام): “الصحة أفضل النعم”، ماذا ينفع المال الغنيّ إذا مرض؟ ماذا تنفع العقارات والأراضي والدور إذا ذهبت الصحَّة؟ عن الإمام الصادق (عليه السَّلام): خمسُ خصالٍ من فقد منهنّ واحدة لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب: فأولاهَا صحَّة البدن!

أظنّ أن الفكرةَ وصلت وهي أن سنوات “التقاعد” سنوات نموّ وعطاء، تحتاج إلى حركةٍ ونشاط، فلا يشغلنا الفراغ عن صحة البدن وسلامة العقل! من فوائد هذه الفترة الزمنية انتشار النوادي الصحيَّة والرياضية، التي تفتح أبوابها على مدار الساعة، وهي موجودة تقريبًا في كلِّ حيّ ومدينة، وأجزم أن تكلفتها الماديَّة أقل من تكلفة الدواء!

أنتم في السنوات الذهبيَّة من أعماركم، وبشكلٍ عام، تبدأ السنوات الذهبيَّة في سنّ 65 سنة وتستمر حتى سنّ 80 سنة وما بعدها. أفضل وأمتع سنوات الحياة. استمتعوا بصحتكم، استمتعوا بأصحابكم وأزواجكم وأحفادكم، واستثمِروا في علاقتكم مع ربِّكم! “سنوات المكافأة”، سنوات لقضاء الوقت مع العائلة، ورؤية الأطفال والأحفاد يكبرون، سنوات القيام بالأشياء الممتعة. وأيضًا سنواتٌ فيها للفكر والكتاب والثقافة نصيب!

ما يؤسف له أن بعض المتقاعدين يعملون دون مقابل موظفين في تطبيقات التواصل الاجتماعي، تارةً يرسلون مقطعًا ساذجًا، وتارةً خبرًا غير ذي شأن، هكذا هم في الليل والنهار! فعلامَ نكون عمالًا دون ثمن وخدامًا أوفياء لأصحاب المليارات من الدولارات، أصحاب التطبيقات الاجتماعيَّة؟



error: المحتوي محمي