تَعكَّر مزاج “حنان” بعد مُحادثتها مع “صبا”، توجهت إلى مرسمها، دائمًا عندما يعترينا الأسى، ويأخذ منَّا كلّ مأخذ، نتجه إلى هواياتنا؛ لنقُوم بعملية التّفريغ، من يمتلك اليراع، يُمارس الكتابة، يخرج من واقعه إلى فضاء يراه الأجمل، الفنان يتقلد ريشته، ينغرس في بياض لوحته، يُشبعها من ذاته، لتظهر على هيئة لوحة.
قامت حنان بترتيب ألوانها، وضعت الفرشاة على اللّوح، جعلت الإضاءة خفيفة، كليلة شتوية، يُزينها القمر، وتُصافحها النّجوم، أعدّت لها كوبًا من القهوة التّركية، وقطعة من “الشيز كيك”، تنفست بعمق..، وبدأت ترسم.
كعادتها، تنقطع عن الآخرين، ما عدا أسرتها عندما تقُوم بالرّسم، عندما تدخل مرسمها، لا أحد يُزاحمها، يُزعجها إلا لأمر ضروري..، استغرقت قرابة الشّهر، لإكمال لوحتها، التي أرادتها أن تكون هدية، تُقدمها إلى صبا التي أنعشت حياتها، وجعلتها تتذوق الرّاحة، والاستئناس، تُخفف مُعاناتها؛ لغُربة زوجها، وإلى مجموعتها القصصية، التي أصبحت الجزء، الذي لا يتجزأ من تفاصيل حياتها، أيضًا مُتابعتها على قنوات التّواصل الاجتماعي، لتعيش معها يومياتها.
خلال هذه الفترة، لم تتواصل مع صبا، ابتعدت عنها، لتُكمل لوحتها، ولتُكمل صبا مجموعتها القصصية الثّانية، كم نحتاج إلى الفراغ في حياتنا، الفراغ من الأشياء، التي تأخذ حيزًا منه، إلى الإبحار في ذواتنا، وتأملاتنا.. تهمس حنان.
تفاجأت برسالة من زوجها في آخر يوم من الاستغراق في اللّوحة، من تجلياتها، التي استطاعت أن تبُوح بها، يُخبرها بأنَّه قادم لهم، وخلال ساعتين، تطأ قدماه شقتهما..، حالة من فوضى الحواس، تنتابها، إغراقها في اللّوحة، التي لازالت في اقتحامها ذاتها، لا تنفك منها، تحتاج لوقت كافٍ؛كي تستطيع تحرير مشاعرها منها، وصبا الغائبة جسدًا، الحاضرة في اشتياقاتها، وزوجها القادم بعد غياب قرابة الشّهرين قضاهما بعيدًا..، وشوقها إليه؛ لدفء حُضنه، لمُشاركتها المسؤولية.
مُرتبكة..، الوقت لا يُسعفها، لتقُوم بما عليها القيام به، السّاعة الثّامنة في مساء يحتضنه الشّوق، كسحابة لا تعلم متى، تُظلك.
قامت حنان بالاتصال بالمطعم، وطلب العشاء، وبعد قرابة النّصف من عقارب السّاعة، جلسوا على الطّاولة، وضعت الأطباق، وتناولوا ما لذ وطاب، طبقًا من الشّواء، مُقبلات، سلطة، طبقًا من الدّجاج، مُعدًا بطريقة غربية الفكرة، وحنان شاردة الذّهن، تنتظر حبيبها، يطلّ، كفارس أحلامها، الآتي من مدائن العشق؛ لتُراقصه، كليلة زفافها، الّليلة، التي لا تنساها، وإنّٓ مرّت السّنوات.
تنظر إلى الوقت..، مع نبضات قلبها، الآن، تشعر بهذه النّبضات، كالسّاعة، لتعرف وقت وصوله، وما الوقت في الحائط إلا مُؤشرٌ، قلبها دليلها إليه..، تُتقن حنان الاهتمام بنفسها، أناقتها، اختيارها فُستانها الأبهى حُضورًا، الذي يجعلها، تشعر بأنوثتها الخلابة، لمساتها الفنية، تتملكها، لتُبدع في تنسيق مكياجها النّاعم، لا تهفو حنان إلى الألوان الصّارخة، شخصيتها الهادئة، تُضفي عليها جمالًا، يجيء، كأصابع موسيقار، تتسلق أوتار ألحانه، كالرّقص، كالنّظرة الخاطفة لتجذبه، كمس.. .
وضعت علي وليلى في سريريهما بعد أن نظفا أسنانهما، ليأتي الفراش في دقائقه المُحددة في كلّ ليلة، تهتم حنان بعامل الوقت، تُسابق الرّيح للانتهاء من أعمالها، تسبقها الخُطوات.
انتهت من تنظيف الشّقة، وترتيبها، الآن..، تنظر إلى الوقت، تُصغي إلى نبضاتها، يبقى على وصوله قرابة النّصف ساعة، سأقوم بإعداد مائدتنا الخاصة، وأضع فيها الشّموع، الإضاءة الخافتة، المُوسيقى الكلاسيكية، لن تطلب لهما العشاء؛ كعادته، سيُحضر معه العشاء، كما يفعل في كلّ مرة، يأتي فيها، لديّ الوقت، لأقوم بالاهتمام بنفسي، أريده أن يراني ملكته، أن يُسافر بي إلى عالمه، وأشواقه..تقُول حنان والسّعادة تغمر كيانها.