عرفنا المرحوم الحاجّ عبد الكريم منصور الجشّي في مجلس المهندس، زوج ابنته، السيِّد حيدر ابن السيِّد هاشم العوّامي -أطالَ الله في عمره- وللهِ درها من ذكرياتٍ وساعاتٍ قضيناها مع الرَّاحل، الحاجّ عبد الكريم الجشِّي، أيَّام الجمعة! كان عذبَ الذاكرة، متواضعًا حتى تظنّ أنه الأصغر سنًّا، قويًّا صلبًا حتى أواخرَ حياته. يقول عنه المقربون من أبنائه، الذين عرفوا كرمه أنه كان أبًا بارًّا رحيمًا معطاءً باذلًا للفقراء والأيتام ولأهلِ البيت عليهم السلام؛ حيث أسّس حسينياتٍ ومساجدَ في داخلِ البلاد وخارجها، وأوقف الأوقافَ الكثيرةَ في حياته وبعد مماته.
كان المرحوم معروفًا في التجارة بالصدقِ والأمانة والتسامح مع المستأجرين، فلم يكن يرفع عليهم الإيجارات، وكان داعمًا للشباب في مشاريعهم الخاصَّة، حتى عُرف على مستوى المنطقة الصناعيَّة بأنه الأرخص إيجارًا، وكان يعفي من تعثّر من المستأجرين في السداد.
قصَّة كفاحٍ حكاها عن نفسه لنا في بعض الجلسات، ونشرت في بعض الصحف، حيث تقدم للعمل مع شركة أرامكو لأول مرَّة وعمره آنذاك 14 سنة، ولم يتم قبوله لصغر سنِّه، وعندما بلغ التاسعةَ عشرة من العمر تم قبوله في شركة أرامكو. أربعة ريالات وسبعة قروش، كان أجره اليوميّ في ذلك الوقت لأنه كان أبرعَ من زملائه في اللغة الإنجليزية، الذين كانوا يتقاضون ثلاثةَ ريالات فقط.
لم يغفل الحاجّ عبد الكريم عن أهميَّة التعليم، حيث سعى في تعليمِ وتطويرِ ذاته عندما كان موظفًا في دائرةِ التموين وقطع شوطًا كبيرًا في إنهاء المناهج التعليميَّة في شركةِ أرامكو. ومن جهةٍ أخرى سعى جاهدًا في تعليمِ وتشجيع أبنائه وبناته على التحصيل العلميّ والتفوق. وفعلًا، جلّ أبناء وبنات المرحوم يخدمون وطنهم ومجتمعهم أطبَّاء وطبيبات.
“وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثًا حسنًا لمن وعى”، هكذا عرفنا أبا نادر في حياته، وهكذا يبقى مذكورًا بعد غيابه! له من الله أطيب الرحمات ولأسرتِه ومحبيه بالغ الدعاء بأن يملأ الله قلوبهم بالصبرِ والسكينة لفقده.
كل الرجاء والأمل أن بعد غياب المرحوم الحاجّ عبد الكريم يستمر الأبناءُ والبنات في مسيرةِ والدهم السخيَّة، ودعمه للأعمال الخيريَّة والمجتمعيّة. بذلك يبقى عمل الحاجّ باقيًا غير منقطع، كما قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): إذا ماتَ الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث؛ إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.