لا للتنمر مع السمين!

ما إن دخل العيادة حتى قرأت من ملامح وجهه الشدة والغضب. رحّبت به، وسألته ما مشكلتك؟ أجابني: ليس عندي أي مشكلة بل نريد حلًا لهذا الدب الصغير!

نظرت للطفل المرافق له، وقلت له: أتقصد هذا البطل؟ أجابني هذا ليس بطلًا هذا دب كسول لا يعرف سوى الأكل والجلوس على الكنب واللعب بهذا الجوال، هكذا هي حياته اليومية!

نظرت للطفل وقلت له: أهلًا بك أيها البطل، نرحب بك في عيادتنا. بقي صامتًا. قال الأب: لماذا لا تتحدث؟ قل شيئًا، الدكتور يرحب بك قل له شيئًا. ثم نظر إلي وقال: هذا الطفل خجول وعنيد في نفس الوقت. قلت له: لا بأس هذا الولد العزيز يخفي بداخله بطلًا ثم سألته في أي صف تدرس؟ قال الأب: في الصف الرابع. ابتسمت للأب وقلت: أريد أن أسمع الإجابة منه، هيا أخبرني في أي صف تدرس؟

نظر إلي وبعد عدة محاولات قال: في الصف الرابع. قلت: هذا رائع. أعتقد أنك من الطلاب المجتهدين. قاطعني الأب مرة أخرى قائلًا: بل هو كسول. هكذا أخبرني بعض المعلمين، قالوا إن ابنك لا يشارك مع بقية الطلاب، وهو طالب انعزالي، بل لا يشارك في أي نشاط رياضي!

قلت للأب: عفوًا أيها العزيز، دعني أتحدث مع بطلنا دون أي مقاطعة منك. توجهت للطفل وقلت له مبتسمًا: حتى هذه اللحظة لم أتعرف على اسمك؟! قل لي ما اسمك؟ قال الأب: اسمه جواد. ابتسمت للأب وقلت له: يا أبا جواد. أريد أن أتحدث قليلًا مع جواد، دعني أبدأ الجلسة العلاجية دون تدخل منك!

توجهت لـ جواد، وقلت له: أنا أعلم أنك ترغب في الحديث معي، هيا يا جواد قل لي أتحفظ جدول الضرب؟! قال: نعم أحفظه. قلت: ممتاز فأنت بطل كما توقعت. ملامح الذكاء واضحة على وجهك. وابتسمت له وقلت: ما حاصل ضرب 8 في 4؟ أجابني إجابة سريعة 32. ابتسمت وقلت له: ما حاصل ضرب 8 في 8؟ أجابني أيضًا بكل ثقة 64.

قال الأب هل هذه حصة رياضيات؟! نظرت إليه وقلت: ابنك شاطر. ثم توجهت لـ جواد وقلت له: 32 هو وزنك و64 هو وزن والدك. ضحك جواد وقال لا أتوقع أن يكون هذا وزن أبي. انظر إليه فهو سمين مثلي! تغير وجه أبي جواد. قلت: هذا الوزن يحتاج منا إلى خطوة للتغيير. قبل أن أبدأ معك البرنامج دعني أطلب منك طلبًا صغيرًا. قال لي: لا تقل لي مارس الرياضة فهذا صعب. قلت له: لا ليس كذلك، بل أقول لك العب مع بقية الطلاب. اخرج معهم في الملعب. تحرك قليلًا. وعليك أن تخرج من العزلة إلى المشاركة الاجتماعية، كن طالبًا اجتماعيًا، أنت تملك روحًا جميلة، وأنا أرى فيك هذه الصفة، لا تدع وزنك يحرمك متعة الحياة! ثم نظرت للأب وقلت له: علاج السمنة لا يكون بالشدة والقسوة، بل يحتاج إلى حكمة وذكاء، يحتاج إلى التعرف على شخصية الطفل، ومساعدته عمليًا. يحتاج إلى قدوة حسنة. إن أسلوب التنمر الذي يمارسه البعض مع أطفالهم المصابين بالسمنة يسبب نفورًا من الحمية، يسبب عناد الطفل، يفقد الطفل ثقته بنفسه وقدراته! إن ابنك جواد لديه قابلية للتخلص من السمنة، وكل ما يحتاجه هو المساعدة الحنونة وليس الاستهزاء والألفاظ القاسية.

صار الأب ينظر إلي وقال: أتوقع أنني كنت قاسيًا معه! أعدك أنني سأغير من أسلوبي. قال جواد: أبي أعدك أن أقاطع الحلويات، والمشروبات الغازية. ابتسمت وقلت لهما: ألم أقل لكما إن العملية بسيطة وهي تحتاج إلى فهم المشكلة ومن ثم القرار بالبدء في حلها؟! إن قرار مقاطعة الحلويات والمشروبات الغازية هو قرار شجاع وستكون له نتائجه الإيجابية.

قال الأب: وأنا معك سأبدأ التغيير أيها البطل الشجاع. قلت: نعم هذه الكلمات التي نحتاجها..

بعد عدة زيارات، وصل جواد إلى الوزن الصحي، أما في المدرسة فقد أصبح ضمن قائمة المتفوقين!



error: المحتوي محمي