حالة السكون.. بين الإفراط والتفريط

 السُّكُونُ حالة “بَيولوجية- وِجدانية” استثنائية مِن الهدوء، والراحة؛ ونِعمة ربانية مِن الاسترخاء، والاستجمام، يَطلِبها الجسد والذهن مَعًا، بَعد القيام بفترة مِن مِشوار العمل الجسماني الشاق؛ أو الاستغراق والاستنزاف الذهني المُتواصلين، لساعات طِوال، حيث تَكِل وتُجهَد سَائر وَظائف الأَعصاب والعضلات؛ وتُرهَق مَجموعات الخلايا، وعلى رأسها شبكة خلايا الدماغ… وهُنا، تُبادِر مُستقبِلات ومُرسِلات الأعضاء العصبية الرئيسة إِلى استقبال وإرسال وإصدار إِشارت تنبيهية خاصة عَبر شبكة الجهاز العصبي المُعقدة إلى مُخ الكائن الحي؛ للاستشعار الفَوري والإِعلان المُبكر عَن حَالات رَصد التعب والإِعياء الراهنة، لسَوية وَظائف الجهاز البيولوجي، بوجهٍ عام.

وتَوسعًا، فأَمر الراحة والاسترخاء، يشمل سائر الأحياء والمخلوقات الربانية قاطبة… ومِنها مَملكة الأَطيار النشطة، التي تسبق الجميع في الوفاء ببرنامج العَودة إِلى أَعشاشها؛ لتستريح مِن مَهام وأَعباء مُفردات برنامجها اليومي الشَامِل المُتكامِل، بعد استنفاذ عَزيمة الجِد والإِجتهاد المُتواصلة؛ ثم التبكير النشط المُستبشر، في صّبيحة اليوم التالي، في استهلال رِحلات مَكوكِية جَديدة مُوسَّعة، رَغبة في البحث الدائب، وكسب القُوت المقسوم، والتمتع ببرنامج الترفيه المُعتاد المَنشود… وهُناك- في آفاق وأَصقاع المعمورة- مِن أَصناف المخلوقات، وصفوف الحيوانات، على تَنوعها، وكَثرة تَعددها، مَا تَستأْنِس بالظهور ليلًا، أَسرابًا، أَسرابًا؛ طلبًا في البحث عن غِذائها، والحصول على قُوت يومها…

وهناك أَيضًا مَرحلة انتقالية استجمامية، مَن السكون والترميم المعتاد، تُعرف علميًا “بالسُّبات الشتوي” عند بعض الحيوانات الثدية: كالدببة والسناجب؛ ومِثلها الزواحِف: كالأَفاعي والسلاحِف، حَيث تمضي مُختبئة أَثناء فترة الشتاء القارس، عندما تَشح وتَتعذر تسهيلات الحُصول على الغذاء؛ فتبقى مُستخِفةً في عُقر جُحورها؛ ومُتوارية في جِعاب مَخابئها المألوفة تحت الأَرض، أَو بين ركام الجليد… ؛ مُعتمدة على مَا لدى أَجسامها مِن مَخزون دُهني، يمُدها بالطاقة، طِوال فترة بقائها في بياتها الشتوي… ولعل مَا يَتحكم ويُنظم ذلك السلوك البيولوجي المُدبر في طبيعة بِناء شَبكة جِهازها العصبي، المُعقد على العقل البشري فهمه وتحليله؛ وهو عند خَالقها، ومُدبر أَمرها سَهل هَين، فسبحان الله الخلاَّق العظيم!

وفي مَنأى مُستترٍ عن تتبع “روتين” الأحياء والمخلوقات الربانية؛ تشمل وتعم فَترات السكون، وبُرهات الهدوء سائر “الآلات الميكانيكية والرقمية المُبتكرة” التي هي مِن صُنع الإِنسان نفسه… فتُروس وبَكرات المَصانع الضخمة، لا بُد مِن إِعطائها نَصيبها مَن فترات الراحة، والتبريد، والتشخيص الفني، والصيانة الدورية… لإِطالة عُمرها الزمني الافتراضي؛ وإِبقائها في حَالة تَشغيلية وجَاهزية جَيدة ومُواكِبة، أَنَّى احتاجها الإِنسان، قامت بخدمته…

وفي كِلتي الحالتين المُتأمَّلتين السابقتين: في مَقام الحالة الآَسمَى المُنضوية في كَنف دَورة النظام الخَلقي الرباني، يَتوجب علينا فائق الشكر؛ ويَلزمنا جزيل الامتنان، والتفكر الدائم في بَديع صُنع الخالق المَنان… وفي مَقر الحالة الأَدنَى، صُنع الآلة النفعية، مِن فِكر، وجُهد، وعَبقرية، وتَطوير عقل الإِنسان، يَسرنا أَنْ نَتولاها بمُجَلِّ الإِعجاب؛ ونَرعاها بنظرة الافتخار؛ ونُتابعها بديمومة الصيانة؛ ونُقايضها بوقفة الاستحسان… هذا، وبالله التوفيق؛ ومِنه نستلهم حُسن السداد، وهَدي الرشاد؛ وإِليه نَتوجَّه بجميل الشكر وفَائق العِرفان!



error: المحتوي محمي