أغلى المقدّسات

إن تدفق الحب والحنان والاهتمام والرعاية للعائلة أولوية قصوى عند الأسر الكريمة؛ لما لها من تبعات حميدة على السلام الداخلي، والاستقرار النفسي، والاستقامة، والتفكير المنظم، وارتفاع مستوى الوعي، والبعد عن الحاجة.

إن الحرمان من الحب المتدفق والرعاية والاهتمام يسبب احتياجًا لا إراديًا للعاطفة البديلة يؤدي بدوره -في كثير من الأحيان- للاستغلال المقيت، وخاصة حين يكون الاحتياج للمرأة (أم، زوجة، أخت، بنت) أو للولد الصغير.

إن الكثير الكثير من الانحرافات السلوكية والتجاوزات الحمراء التي تفقد الإنسان قيمته تمامًا كانت نتيجة التقصير في المعنويات من قبل أولياء الأمور. وعليه؛ لو أنفقت ما أنفقت من ماديات وأهملت الأولى وهي المعنويات فقد عرّضتَّ نفسك وأسرتك للمصير المجهول وتركتهم على قارعة الطريق.

بعضنا بجفائه وقسوته وإفراطه في الجدية يتعامل مع عائلته بقلبٍ من حديد ضاربًا بأوامر السماء عرض الحائط من حيث لا يعلم.

ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: ملعون ملعون من ضيع من يعول. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وقال (صلى الله عليه وآله): عيال الرجل أسراؤه وأحب العباد إلى الله عز وجل أحسنهم صنعًا إلى أسرائه. وقال أبو الحسن (عليه السلام): عيال الرجل أسراؤه فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة. وقال (صلى الله عليه وآله): ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي. وهل بعد كل هذه التوجيهات المحمدية حجة لرجل في إهمال أسرته وعياله أو التقصير معهم.

إن الروح الإنسانية تحتاج للعاطفة في جميع مراحل حياتها لأنها كتلة من المشاعر الحساسة الرقيقة التي تنبض مدى الحياة. إن أفضل الأعمال العبادية هي رعاية الأسرة، وأفضل العبادات الأسرية هي سكب المحبة والحنان على هذه القلوب الوردية التي تفوق قدسيتها أقدس المقدّسات.

لا تساهموا بقسوتكم المفرطة وقلوبكم الصخرية وكلماتكم الجافة في انحراف أسركم وضياع أغلى ما تملكون. رطّبوا كلماتكم، وأطلِقوا ابتساماتكم، وغذّوا مشاعر أحبابكم وعوائلكم بخمائل الحب لتكون بساتين عبقة تغمركم وتغمر الحياة. ولتكن الرعاية القصوى منّا لأسرنا وأرحامنا وخاصة الأرامل والأيتام والبنيّات الحساسة والأولاد المرهفين.

الأحاسيس القلبية بيوت الله الأسمى التي تختلف فيها الملائكة صباح مساء ولكن عند أولي الأبصار. وما هذا الانفتاح الكبير الذي يصل حد الانسلاخ من الدين والخلق -أحيانًا- والمتفشي في جيل الشباب في المجتمعات المعاصرة هذه الأيام إلا نتيجة طبيعية للإهمال والتقصير والجفاف الممزوج بسوء التربية.

إن تحصين المجتمع يبدأ بتحصين الأسرة ولا حصانة لأسرة في ظل الجفاف العاطفي أو الإهمال والتقصير. لو كان الأمر بيدي لأوجبتُ النفقة المعنوية على كل النفقات المادية ولجعلت الحبَّ والاهتمام فرضًا عينيًا على أولياء الأمور، وحاسبتُ المهمل والمقصّر منهم وحمّلته التبعات.


 

 


error: المحتوي محمي