هل نحن في حماية من هذه الأخطار؟

هذه الأيام لا تكاد تتصفح قنوات التواصل الخاصة أو الرسمية إلا وتقرأ عنوانًا مروعًا عن ممارسات غش وتدليس ومخالفات صحية، والمستهلك بدا في حيرة من أمره مما يراه من تجاوزات، أثر بصورة سلبية على ثقته فيما يشتريه، وأوقع خسائر اقتصادية على المنتجين المحليين، وكل هذا بسبب عدم وجود عقوبات رادعة توقف أصحاب الضمائر الميتة من الاستمرار في ممارسات التلاعب والاستهتار!!

قبل أيام ضبطت فرق التفتيش التابعة لبلدية محافظة القطيف ووزارة التجارة محلاً لبيع الدجاج، يقوم بنزع أغلفة الدجاج المجمد المستورد، وتسييحه وإعادة تغليفه ويباع على أنه دجاج طازج مبرد، لا شك أنه سلوك سيىء، بل سيء جدًا، وقد يكون الدجاج المجمد المستورد منتهي الصلاحية، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل أدرك هؤلاء الخطورة المترتبة على ذلك العبث؟!

في الحقيقة هم يدركون أن تلك الممارسات العبثية قد ينتج عنها مشكلات لا تحمد عقباها، لكنهم ألفوا الأرباح الطائلة وجمع الأموال وإن كانت على حساب صحة الناس.

قبل البدء أرى لزامًا عليّ أن أشير إلى الدور الذي تضطلع به الأجهزة الرقابية -حارس الصحة الأمين- في ضمان سلامة الغذاء ومأمونيته، جهود تستحق الإشادة والتقدير، فلكل العاملين في القطاع الرقابي جزيل الشكر والامتنان.

بالأمس كتبتُ تعليقًا حول سلوكيات هؤلاء المستهترين، ونشرته عبر قنوات التواصل الخاصة، وكنت أظنني أوفيت الموضوع حقه، لكنني تلقيتُ -من خلاله- صدى يستحق التوقف، ولأهمية الموضوع وعلاقته المباشرة بصحة المستهلك وسلامته، ومن منطلق المسألة الوطنية والنصح لإخواني والحرص على سلامتهم، وكذلك الإسهام في نشر الوعي الصحي، هذا ما دفعني للتفاعل مع المشكلة والبحث في جوانبها بشكل أكبر.

لكنني لن أتطرق إلى العقوبات القانونية جراء تلك الممارسات؛ فقد أشار إليها المستشار القانوني هشام الفرج في هذا الموقع، والذي يهمني -هنا-مدى تطبيق اللوائح الفنية المعتمدة والآثار الصحية المترتبة على ذلك العبث.

لحوم الدواجن سواء كانت نيئة أم مطبوخة، هي من الأطعمة القابلة للتلف، ويجب أن تبقى في درجة حرارة آمنة خلال ذوبان الثلج بدرجة كبيرة، فهي آمنة بالتأكيد حينما تكون مجمدة، ولكن بمجرد أن تبدأ في الذوبان وترتفع درجة حرارتها إلى “4 .4 درجة مئوية” فإن البكتيريا التى كان من الممكن أن تأتي إليها قبل التجميد، تبدأ في التكاثر، لذا لا ينبغي أبدًا إذابة الأطعمة القابلة للتلف على الطاولة، أو في الماء الساخن، ويجب ألا تترك في درجة حرارة الغرفة لأكثر من ساعتين وحتى لو كانت الأجزاء الداخلية لا تزال مجمدة إذا ما تمت إذابتها على الطاولة فستكون الطبقة الخارجية من المواد الغذائية في منطقة الخطر الحراري وهي بين 4.4 – 60 درجة مئوية وهي درجات حرارة تتكاثر فيها البكتيريا بسرعة.

وهناك ثلاث طرق آمنة لذوبان الدجاج وهي: عن طريق الثلاجة، وفي الماء البارد، وفي الميكرويف، ولكن أفضل هذه الطرق الذوبان في الثلاجة، وقد يستغرق وقتاً أطول، وعندما نلجأ إلى الذوبان بالماء البارد، فهو أسرع من ذوبان الثلج داخل الثلاجة، ولكن يتطلب الأمر مزيدًا من الاهتمام؛ فيجب أن يكون الدجاج في عبوة أو كيس من البلاستيك مانع للتسرب، فإن البكتريا يمكن أن تدخل إلى الكيس من الهواء أو البيئة المحيطة وتصل إلى الغذاء، أيضًا فإن أنسجة الدجاج قد تمتص الماء، فيتحول الغذاء إلى منتج مائي، وينبغي أن تكون العبوة مغمورة في ماء الصنبور البارد، ونحرص على تغيير الماء كل 30 دقيقة لمواصلة ذوبان الثلج، وإذا تمت عملية الذوبان بالكامل يجب طهي الطعام على الفور.

الإذابة لها خطرها: إن أكثر حالات التسمم الغذائي ناتجة عن إذابة الأغذية المجمدة مثل اللحوم أو الدجاج ثم إعادة تجميدها، ترك الدجاج بعد الإذابة لساعات طويلة ثم وضعه في ثلاجات العرض، وتسويقه على أنه طازج، والمستهلك عند شرائه ذلك الدجاج سيسارع بحفظه في الفريزر، يعني إعادة تجميده، وهنا يحدث الخطر “في كل الأحوال لا يجوز إذابة الدجاج المجمد وإعادة تجميده” مع ذكر عبارة على مغلف الدجاج المجمد “يمنع إعادة تجميد المنتج بعد تسييحه” المصدر المواصفة القياسية الخليجية -الدجاج المجمد- رقم GSO 986/ 2015.

أما الخطر الأكبر هو بقاء الدجاج المذاب في ثلاجة العرض أكثر من يومين مما قد يسبب أضرارًا خطيرة قد تؤدي للوفاة؛ مخاطر التلوث ونمو الجراثيم أو حدوث تفاعلات كيميائية ناتجة عن عدم الأهتمام بالطرق الصحية في حفظ الأغذية، فإذا كنت تأكل هذا الدجاج فإنك ستمرض جدًا إلى الحد الذي قد يستلزم الذهاب إلى المستشفى، وبالنسبة لرواد تلك المحلات، هم معرضون لهذا الخطر، يمكن أن تكون الإصابة قاتلة، ومن هذا المنطلق وعلى الرغم من الدور الذي تضطلع به الأجهزة الرقابية المسؤولة عن سلامة الغذاء، إلا أنه على المعني بهذا الأمر “المستهلك” مسؤولية في حماية نفسه، لعل البعض منا لا يهمه من أين يشتري احتياجاته الغذائية، لكن فيما يخص الأغذية الحساسة مثل اللحوم والدجاج فعليه التركيز على محلات موثوقة التي تتقيد بشروط الصحة وتتمتع بسمعة جيدة، كما يجب التأكد من حالتها الأصلية “مبردة أو مجمدة” حتى لا نقع في أخطاء الحفظ؛ فعدم معرفتنا بحالة المنتج قد تجلب المرض إلى داخل منازلنا وندمر صحتنا.

استخدام الدجاج المجمد مباشرة بعد إخراجه من الثلاجة أو الفريزر لأنه عرضة لسرعة التلف بعد الانصهار، وأفضل حل للدجاج الذي تمت إذابته هو طبخه مباشرة وأكله أو إعادة تجميده بعد طبخه مباشرة، وتكرار الإذابة والتجميد للأغذية الطازجة يؤدي إلى نمو الجراثيم وبالتالي قد ينتج سموم لأنواع معينة من البكتيريا مثل المكورات العنقودية الذهبية، وهذه السموم مقاومة لدرجات الحرارة العالية ولا يمكن تدميرها بسهولة، وبالتالي فإن الغذاء الذي سيؤكل سيؤدي إلى تسمم غذائي لا سمح الله.

في جميع الحالات يجب أن يكون الصهر تدريجيًا وعدم تجميد اللحوم والدجاج مرة ثانية بعد تمام صهرها.

إذن، ما الحل لمن يخالف الضوابط الصحية أو يحاول الإضرار بالناس؟ يستوجب عليه عقوبات صارمة واحدة أو أكثر “الغرامة، إغلاق المحل، إلغاء ترخيص المحل، السجن، والتشهير ) مع جواز مضاعفة العقوبة عند تكرار ارتكاب المخالفة، عقوبات شديدة الردع لكل من يتساهل أو يتلاعب في أمر الصحة بكل قوة وحزم، لكن السؤال هنا كيف تجرأ على هكذا عمل وعين الرقيب لهم بالمرصاد؟!

في رأيي أن السبيل الوحيد لردع المستهترين هو التشهير بهم، وهي من العقوبات الصارمة التي تنفذ ضد مرتكبي تلك التجاوزات الخطيرة الموجبة للعقاب، والتشهير دون تردد هو الأكثر إيلامًا، وأجدى مائة مرة من إقفال المنشأة ومن الغرامة المالية؛ لأن ذلك كله قابل للتعويض بعد أن يفتح المحل من جديد، كما أن التشهير بالمستهترين يجعل الناس في حالة ارتياح واطمئنان عندما يكون الأمر واضحًا، وهناك مسؤولية تقع على عاتق الجهات الرقابية هي توضيح الحقيقة كاملة للناس، فلا يكفي أن تعلن وزارة التجارة عبر قنواتها الرسمية إيقاع الجزاء الرادع وعقوبات كثيرة بحق هؤلاء المخالفين للضوابط الصحية دون التشهير بهم، كما أن عدم السماح بذكر الجهة التي مارست شتى التجاوزات فيه تراخ أو تساهل في هذا الشأن.

السؤال الذي يثيره العديد من الناس : هل مشكلة الغش والتدليس انتهت أو سوف تنتهي بمجرد السيطرة على بعض السلوكيات السيئة التي أدت إلى تقديم مادة غذائية ضارة أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي؟ إذا لم تبادر السلطات المعنية بالتشهير لأصحاب المنشآت التي تمارس السلوكيات السيئة، فإن الممارسات نفسها ستمارس في غياب عين الرقيب، وهؤلاء لن يغير ضميرهم مراقب!!

إلى سيدتي ربة البيت
في حالة إذابة الأغذية المجمدة مثل اللحوم أو الدجاج، قد يحدث أمران كلاهما خطر؛ فالأول: هو ترك الدجاجة المسكينة على طاولة المطبخ حتى تذوب كاملة لساعات طويلة، وبالتالي فإن بقاء هذه الدجاجة في درجة حرارة الغرفة “25 °م” لمدة تزيد على أكثر من ساعتين يساعد على نمو الجراثيم على سطح الدجاجة حتى وإن كانت جامدة في وسطها، وبالتالي قد تنتج سموم مقاومة لدرجات الحرارة العالية ولا يمكن تدميرها بسهولة، أما الخطأ الثاني: فهو التعجيل في طبخ هذه الدجاجة قبل التأكد من ذوبان الجزء الداخلي منها، وبالتالي بعد الانتهاء من طبخ مثل هذه الكتكوته يكون الجزء الداخلي قد اكتمل ذوبانه من حرارة الطبخ، ولم يتم بعد طهيها من الوسط جيدًا، وبالتالي لم يتم التخلص من الجراثيم الموجودة في الأغذية النيئة الطهي مما قد يتسبب في حدوث حالة تسمم غذائي لا قدر الله، وأفضل الطرق لتجاوز هذه المشكلة هو أن تتم إذابة الأغذية المجمدة في درجة حرارة منخفضة حتى اكتمال التذويب في جميع أجزاء الدجاج، ومن أفضل هذه الحلول إخراج الدجاجة المراد طبخها قبل يوم من الفريزر إلى الثلاجة وتركها تذوب على راحتها داخل الثلاجة، والمهم ألا تبدأي في طبخ هذه الأغذية إلا بعد التأكد من ذوبان الثلج في جميع أجزائها.


منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي