لمن تطربه رائحةُ البحر!

صباحًا كنا واقفين قرب البحر ورطوبة الجوّ عالية. في الجو الرطب تثور رائحةٌ مميزة من البحر، تشبه رائحةَ الكبريت، لا يرتاح لها إلا من هو للبحرِ صديق! تأفف بعضنا منها فأحببتُ أن أذكرهم بأنه لولا هذا البحر ورائحته ما وصلوا هنا. لولا هذا البحر الذي أكل من خيره أسلافهم، الله العالم ماذا كان حالهم. لولا هذا البحر ما كان طبع الإنسان -القطيفيّ- لينًا هينًا، وصلبًا في قالبٍ واحد!

رائحةُ البحر تثير فينا ذكرياتِ الصبا والسنوات التي مضت، تحنّ لها الطيور المهاجرة، تعرفها وتعود مرَّة بعد أخرى. رائحة البحر هي من تحلل بكتيريا وطحالب ميتة، يبعث الله منها الحياةَ كرَّة أخرى فيما يتجدد في البحرِ من أحياء. عندما أسمع وأقرأ عن تاريخ القطيف بأنه آلاف السنين، أعرف إن البحر كان قبل هذه الآلاف من السنين وعلى ضفافه عاش النَّاس، منه أكلوا وفي سفنه ركبوا واختلطوا عن طريق البحر بشعوبٍ وثقافاتٍ أخرى.

أنا عليَّ للبحرِ دينٌ كبير، من قيمةِ اللآلئ -في سنواتِ الغوص- تزوج والدي والدتي. كان والدي صيادًا، يكد من دخل البحر. في البحر عملتُ في التنقيب والحفر بحثًا عن النفط -الذهب الأسود- حيث في البحار توجد تجمعات واحتياطات ضخمة من النفطِ والغاز، عليها يقوم عصب اقتصاد العالم. لولا البحار والمحيطات ما وصلتنا البضائع المختلفة وما وصل النفط والغاز المسال بسهولة إلى أقصى الشرق والغرب.

عندما تمرون قرب البحر، تشمون رائحةً مميزة. هي رائحة الآباءِ والأجداد، رائحة الحياة والاقتصاد. البحار تشكل القسم الأكبر من سطح الكرة الأرضيَّة، هي منبعٌ مهمّ في ديمومة الحياة البشريَّة وبقية الكائنات الحيَّة على سطح الكرة الأرضيَّة. جعل اللّه فيها لحمًا طريًّا -السمك- من غير أن نبذل جهدًا في تربيته والاعتناء به، بل أوجدته ونمّته يدُ القدرة الإلهيَّة. فعلى مر العصور، البحر أحد المصادر الرئيسيَّة للتغذية، ويستخرج سنويًا من البحار مئاتُ الآلافِ من الأطنان من الأسماك الطريَّة التي أوجدتها ورعتها يدُ الله من أجلنا.

هل تعرفون أن رائحة البحر جذابة جدًّا وتبعث على الاسترخاء، لذلك ابتكر صانعو العطور روائح مصنعة، تشبه روائح البحور والمحيطات؟! بكل بساطة، خذوا نفسًا عميقًا! ما تشمّونه من البحر هو رائحة كبريتيد ثنائي الميثيل الناتج من التعفنّ والموتِ والتحلل الجرثوميّ، مع قليلٍ من الملوحة والطَحالب وكائنات بحريَّة متنوعة.



error: المحتوي محمي