لا أدري ما الذي منعني من الكتابة خلال الفترة المنصرمة. لقد وجدت نفسي هكذا، فكلما قفزت الفكرة، أستجمع نفسي وأبدأ، ثم يشرد الذهن وأعزف عن الكتابة، فأقول ربما يكون السبب افتقادي للأجواء المناسبة والتي لا يوفرها فصل الصيف الحارق ومشاغل الحياة المتلاطمة.
أراني مضطرًا الآن للعودة في هذا الوقت بالذات لما تزخر به مواقع التواصل الاجتماعي من الضجيج غير المسبوق خاصة في الجانب الرياضي والذي تعشعش فيه الخلافات والتجاذبات السلبية بقوة رغم محاولة كبحها بلا طائل.
نبدأ ونقول إننا نتفق في غالبنا على أن الوظيفة للإنسان مطلب أساسي ليحصل منها على رزقه المقسوم له، وهو بالتالي يؤدي المهام المطلوبة منه طوعًا أو كرهًا، مع أهمية أن يكون أداء هذه المهام مرضيًا بدرجة التفوق، وأن يكون الناتج هو النجاح لينال من خلاله تقدير مسؤوليه وبالتالي يستحق الحافز المعنوي والمادي.
فإذًا وبالمحصلة يكون الدافع موجودًا، والتطلع لمستقبل أفضل هو هدف الموظف والعامل المؤثر للوصول للغاية التي رسمها لنفسه إضافة لرغبته الحصول على العائد المادي الذي يضمن له العيش حياة كريمة هو ومن يعيل، كل ذلك هو ما يدفعه بقوة لأن يؤدي رسالته الوظيفية على أفضل وجه.
وإذا ما وجّهنا البوصلة نحو النشاط الاجتماعي على اختلافه، نجد الموفقين الذين يسخّرون أنفسهم له، ويتصدّون لخدمة مجتمعاتهم، ويؤدّون رسالتهم الرائدة مجانًا، كما يتفانى بعضهم في الأداء الخدمي وكأنه في وظيفة رسمية، والعجيب الملفت أن أكثر هؤلاء لايزالون على رأس وظائفهم الرسمية، ولنا أن نتصور كيف يقضي هؤلاء يومهم بين المهمتين، لدرجة أن بعضهم لا يعودون لمنازلهم إلا متأخرين ويحرمون من الجلوس مع أبنائهم وأهليهم وأحبابهم. هذا فضلًا عن الجهد والتعب والاستنزاف الذي ينال من طاقاتهم، ليعودوا إلى أعمالهم صباح اليوم التالي بعد ساعات معدودة فقط للراحة والنوم، كل ذلك من أجل خدمة مجتمعهم مجانًا.
هناك أيضًا من تقاعدوا إما مبكرًا وإما توافقًا مع النظام، منهم من كان ولايزال يمارس العمل الاجتماعي، ومنهم من التحق به بعد تقاعده. واكتشف أن هذا النشاط يأخذ من الجهد والوقت أكثر مما تأخذه الوظيفة الرسمية ومع ذلك هو يؤدي واجبه بإخلاص وتفانٍ ودون مقابل سوى السرور الذي يبدو على وجهه حين يرى الرضا في عيون الآخرين إضافة لاحتساب الأجر والثواب من الله عز وجل.
وهنا تبرز القوة القيمية لهذا العمل الخيري والتي لا تضاهيها قيمة أقوى ولا أثمن وأنفس وأجدر وأصدق. هنا فقط نعرف معادن الرجال وأيضًا النساء الذين نذروا أنفسهم من أجل أهلهم وبلدتهم ومدينتهم ووطنهم.
ثم يأتي من يسخف عملهم، ويشكك فيهم وفي نقائهم وإخلاصهم، وكأنه يعلم بسرائرهم ولا يعترف بظاهرهم وناتجهم الذي يشهد له القاصي والداني.
يأتي أولئك الذين يتصيدون الأخطاء وينتظرون الإخفاقات لكي يحاربوا من يضحون على حساب أنفسهم وراحتهم، فقط من أجل إسقاطهم، ولماذا؟ لا ندري! ربما لأنهم تميّزوا عن غيرهم، لهذا نرى هؤلاء الغير يختفون في حال تحقيق الأهداف وتسجيل النجاحات من قبل من يقفون ضدهم، ومن هم سوى أهلهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقائهم وبني بلدتهم.
فبدلًا من الوقوف معهم ومساندتهم ينتظرون على دكة الاستعداء لكي يقفزوا عليهم إن أخفقوا ذات حظ لم يتأت لهم ليكيلوا لهم الكلمات المسمومة بما لا يقبله عاقل ولا جاهل ولا صديق ولا عدو.
نقول لهؤلاء ماذا لو كنتم مكانهم؟ أتقبلون أن يقال عنكم ما تقولون وتهرفون، أترضون أن تعاملوا كما تعاملون به إخوانكم الذين يبذلون الغالي والنفيس لأجلكم أو لأجل شريحة من مجتمعكم؟
أنتم بدلًا من ذلك عليكم أن تقفوا معهم وتؤازروهم في الشدة والرخاء، وفي النجاح والفشل، وإن كان عندكم من مأخذ فبادروا واذهبوا لهم وقدموا المشورة والنصح بدلًا من أن تتخذوا من السوشيال ميديا منصة للطعن فيهم دون اعتبار ولا تقدير.
نقول ذلك في الختام ونحن نعني جميع الفرقاء في مختلف مجتمعاتنا المحيطة والتي تتشابه، ونتمنى منها أن تقف وقفة صدق مع كل من يتصدى للعمل الخيري على اختلافه وخاصة الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية.